تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٨١
المتأولين: المراد به هنا الملك، إذ الملوك موصوفون بالكبر، ولذلك قيل للملك الجبار، ووصف بالصد والشرس. وقال ابن الرقيات في مصعب بن الزبير:
* ملكه ملك رأفة ليس فيه * جبروت منه ولا كبرياء * يعني ما عليه الملوك من ذلك. وقال ابن الرقاع:
* سؤدد غير فاحش لا يداني * ه تحبارة ولا كبرياء * وقال الأعمش: الكبرياء العظمة. وقال ابن زيد: العلو. وقال الضحاك أيضا: الطاعة، والأرض هنا أرض مصر. وقرأ ابن مسعود، وإسماعيل، والحسن فيما زعم خارجة، وأبو عمرو، وعاصم: بخلاف عنهما، وتكون بالتاء لمجاز تأنيث الكبرياء، والجمهور بالياء لمراعاة اللفظ، والمعنى: أنهم قالوا مقصودك في مجيئك إلينا بما جئت، هو أن ننتقل من دين آبائنا إلى ما تأمر به ونطيعك، ويكون لكما العلو والملك علينا بطاعتنا لك، فنصير أتباعا لك تاركين دين آبائنا، وهذا مقصود لا نراه، فلا نصدقك فيما جئت به إذ غرضك إنما هو موافقتك على ما أنت عليه، واستعلاؤك علينا. فالسبب الأول هو التقليد، والثاني الجد في الرئاسة حتى لا تكونوا تبعا. واقتضى هذان السببان اللذان توهموا هما مقصودا التصريح بانتفاء الإيمان الذي هو سبب لحصول السببين. ويجوز أن يقصدوا الذم بأنهما إن ملكا أرض مصر تكبروا وتجبرا كما قال القبطي: إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض. ولما ادعوا أن ما جاء به موسى هو سحر، أخذوا في معارضته بأنواع من السحر، ليظهر لسائر الناس أن ما أتى به موسى من باب السحر. والمخاطب بقوله: ائتوني، خدمة فرعون والمتصرفون بين يديه. وقرأ ابن مصرف، وابن وثاب، وعيسى، وحمزة، والكسائي: بكل سحار على المبالغة. وفي قوله: ألقوا ما أنتم ملقون، استطالة عليهم وعدم مبالاة بهم. وفي إيهام ما أنتم ملقون، تخسيس له وتقليل، وإعلام أنه لا شيء يلتفت إليه. قال أبو عبد الله الرازي: كيف أمرهم، فالكفر والسحر والأمر بالكفر كفر، قلنا: إنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بإلقاء الحبال والعصى ليظهر للخلق أن ما ألقوا عمل فاسد وسعى باطل، لا على طريق أنه عليه السلام أمرهم بالسحر انتهى. وقرأ أبو عمرو، ومجاهد وأصحابه، وابن القعقاع: بهمزة الاستفهام في قوله: آلسحر ممدودة، وباقي السبعة والجمهور بهمزة الوصل، فعلى الاستفهام قالوا: يجوز أن تكون ما استفهامية مبتدأ، والسحر بدل منها،. وأن تكون منصوبة بمضمر تفسيره جئتم به، والسحر خبر مبتدأ محذوف. ويجوز عندي في هذا الوجه أن تكون ما موصولة مبتدأة، وجملة الاستفهام خبر، إذ التقدير: أهو السحر، أو آلسحر هو، فهو الرباط كما تقول: الذي جاءك أزيد هو؟ وعلى همزة الوصل جاز أن نكون ما موصولة مبتدأة، والخبر السحر، ويدل عليه قراءة عبد الله والأعمش: سحر. وقراءة أبي ما أتيتم به سحر. ويجوز عندي أن تكون في هذا الوجه استفهامية في موضع رفع بالابتداء، أو في موضع نصب على الاشتغال، وهو استفهام على سبيل التحقير والتعليل لما جاؤوا به، والسحر خير مبتدأ محذوف أي: هو السحر. قال ابن عطية: والتعريف هنا في السحر أرتب، لأنه قد تقدم منكرا في قولهم: إن هذا لسحر، فجاء هنا بلام العهد كما يقال: أول الرسالة سلام عليك، وفي آخرها والسلام عليك
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»