تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٨٦
وهي التعفية والتغيير أو الإهلاك. قال ابن عباس، ومحمد بن كعب: صارت دراهمهم حجارة منقوشة صحاحا وأثلاثا وأنصافا، ولم يبق لهم معدن إلاطمس الله عليه فلم ينتفع بها أحد بعد. وقال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد وعطية: أهلكها حتى لا ترى. وقال ابن زيد: صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرضهم وكل شيء لهم حجارة. قال محمد بن كعب: سألني عمر بن عبد العزيز فذكرت ذلك له، فدعا بخريطة أصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير، وأنها الحجارة. وقال قتادة، والضحاك، وأبو صالح، والقرطبي: جعل سكرهم حجارة. وقال السدي: مسخ الله الثمار والنخل والأطعمة حجارة. وقال شيخنا أبو عبد الله محمد بن سليمان المقدسي عرف بابن النقيب وهو جامع كتاب التحرير والتحبير في هذا الكتاب: أخبرني جماعة من الصالحين كان شغلهم السياحة أنهم عاينوا بجبال مصر وبراريها حجارة على هيئة الدنانير والدراهم، وفيها آثار النفس، وعلى هيئة الفلوس، وعلى هيئة البطيخ العبد لاوي، وهيئة البطيخ الأخضر، وعلى هيئة الخيار، وعلى هيئة القثاء، وحجارة مطولة رقيقة معوجة على هيئة النقوش، وربما رأوا على صورة الشجر. واشدد على قلوبهم: وقال ابن عباس ومقاتل والفراء والزجاج اطبع عليها وامنعها من الإيمان. وقال ابن عباس أيضا والضحاك: أهلكهم كفارا. وقال مجاهد: اشدد عليها بالضلالة. وقال ابن قتيبة: قس قلوبهم. وقال ابن بحر: اشدد عليها بالموت. وقال الكرماني: أي لا تجذوا سلوا عن أموالهم، ولا صبرا على ذهابها. وقرأ الشعبي وفرقة: اطمس بضم الميم، وهي لغة مشهورة. فلا يؤمنوا مجزوم على أنه دعاء عند الكسائي والفراء، كما قال الأعشى:
* فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى * ولا تلفين إلا وأنفك راغم ومنصوب على أنه جواب اشدد بدأ به الزمخشري، ومعطوف على ليضلوا على أنه منصوب قاله: الأخفش وغيره. وما بينهما اعتراض، أو على أنه مجزوم عل قول من قال: إن لام ليضلوا لام الدعاء، وكان رؤية العذاب غاية ونهاية، لأن الإيمان إذ ذاك لا ينفع ولا تخرج من الكفر، وكان العذاب الأليم غرقهم. وقال ابن عباس: قال محمد بن كعب: كان موسى يدعو وهارون يؤمن، فنسبت الدعوة إليهما. ويمكن أن يكونا دعوا، ويبعد قول من قال: كنى عن الواحد بلفظ التثنية، لأن الآية تضمنت بعد مخاطبتهما في غير شيء. وروي عن ابن جريج، ومحمد بن علي، والضحاك: أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة، وأعلما أن دعاء هما صادف مقدورا، وهذا معنى إجابة الدعاء. وقيل لهما: لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون أي في أن تستعجلا قضائي، فإن وعدي لا خلف له. وقرأ السلمي والضحاك: دعواتكما على الجمع. وقرأ ابن السميقع: قد أجبت دعوتكما خبرا عن الله تعالى، ونصب دعوة والربيع دعوتيكما، وهذا يؤكد قول من قال: إن هارون دعا مع موسى. وقراءة دعوتيكما تدل على أنه قرأ قد أجبت على أنه فعل وفاعل، ثم أمرا بالاستقامة، والمعنى: الديمومة عليها وعلى ما أمرتما به من الدعوة إلى الله تعالى، وإلزام حجة الله. وقرأ الجمهور: تتبعان بتشديد التاء والنون، وابن عباس وابن ذكوان بتخفيف التاء وشد النون، وابن ذكوان أيضا بتشديد التاء وتخفيف النون، وفرقة بتخفيف التاء وسكون النون، وروى ذلك الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر، فأما شد النون فعلى أنها نون التوكيد الشديدة لحقت فعل النهي المتصل به ضمير الاثنين، وأما تخفيفها مكسورة فقيل: هي نون التوكيد الخفيفة، وكسرت كما كسرت الشديدة. وقد حكى النحويون كسر النون الخفيفة
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»