ديدن الكفرة مع أنبيائهم إذ أتوهم بالمعجزات كما قال: فرعون وقومه في موسى عليه السلام: * (إن هاذا لساحر عليم) * * (قالوا) * وقوم عيسى عليه السلام: * (كفروا منهم إن هاذا إلا سحر مبين) * ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد.
* (إن ربكم الله الذى خلق * السماوات والارض * في ستة أيام ثم استوى على العرش) * تقدم تفسير مثل هذه الجملة في سورة الأعراف وجاءتا عقب ذكر القرآن والتنبيه على المعاد. ففي الأعراف: * (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه) * وقوله: * (يوم يأتى تأويله) * وهنا تلك آيات الكتاب. وذكر الإنذار والتبشير وثمرتهما لا تظهر إلا في المعاد. ومناسبة هذه لما قبلها أن من كان قادرا على إيجاد هذا الخلق العلوي والسفلي العظيمين وهو ربكم الناظر ف مصالحكم، فلا يتعجب أن يبعث إلى خلقه من يحذر من مخالفته ويبشر على طاعته، إذ ليس خلقهم عبثا بل على ما اقتضته حكمته وسبقت به إرادته، هذ القادر العظيم قادر على ما دونه بطريق الأولى.
* (يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) *: قال مجاهد: أي يقضيه وحده. والتدبير تنزيل الأمور في مراتبها والنظر في أدبارها وعواقبها، والأمر قيل: الخلق كله علوية وسفليه. وقيل: يبعث بالأمر ملائكة، فجبريل للوحي، وميكائيل للقطر، وعزرائيل للقبض، وإسرافيل للصور. وهذه الجملة بيان لعظيم شأنه وملكه. ولما ذكر الإيجاد ذكر ما يكون فيه من الأمور، وأنه لمنفرد به إيجادا وتدبيرا لا يشركه أحد في ذلك، وأنه لا يجترىء أحد على الشفاعة عنده إلا بإذنه، إذ هو تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب. وفي هذه دليل على عظم عزته وكبريائه كما قال: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * الآية. ولما كان الخطاب عاما وكان الكفار يقولون عن أصنامهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، رد ذلك تعالى عليهم، وناسب ذكر الشفاعة التي تكون في القيامة بعد ذكر المبدأ ليجمع بين الطرفين: الابتداء والانتهاء. وقال أبو مسلم الأصبهاني: الشفيع هنا من الشفع الذي يخالف الوتر، فمعنى الآية: أنه أوجد العالم وحده لا شريك يعينه، ولم يحدث شيء في الوجود إلا من بعد أن قال له: كن. وقال أبو البقاء: يدبر الأمر، يجوز أن يكون مستأنفا وخبرا ثانيا وحالا.
* (ذالكم الله ربكم فاعبدوه) *: أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء هو ربكم الناظر في مصالحكم، فهو المستحق للعبادة، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى، فلا تشركوا به بعض خلقه.
* (أفلا تذكرون) *: حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له.
* (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا) *: ذكر ما يقتضي التذكير وهو كون مرجع الجميع إليه، وأكد هذا الإخبار بأنه وعد الله الذي لا شك في صدقه ثم استأنف الإخبار وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق وإعادته وأن مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وانتصب وعد الله وحقا على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة والتقدير: وعد الله وعدا، فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله: * (صبغة الله) * * (عبد الله) * والتقدير: في حقا حق ذلك حقا. وقيل: انتصب حقا بوعد على تقدير في أي وعد الله في حق. وقال علي بن سليمان التقدير: وقت حق وأنشد:
* أحقا عباد الله أن لست خارجا * ولا والجا إلا علي رقيب *