المضي فالتوقع كان عند السامع، وأما المتكلم فهو موجب ما أخبر به وعبر هنا بالمضارع إذ المراد الاتصاف بالعلم واستمراره ولم يلحظ فيه الزمان؛ كقولهم: هو يعطي ويمنع. وقال الزمخشري والتبريزي: قد نعلم بمعنى ربما الذي تجيء لزيادة الفعل وكثرته نحو قوله: ولكنه قد يهلك المال نائله؛ انتهى. وما ذكره من أن قد تأتي للتكثير في الفعل والزيادة قول غير مشهور للنحاة وإن كان قد قال بعضهم مستدلا بقول الشاعر:
* قد أترك القرن مصفرا أنامله * كأن أثوابه مجت بفرصاد * وبقوله:
* أخي ثقة لا يتلف الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله * والذي نقوله: إن التكثير لم يفهم من * (قد) * وإنما يفهم من سياق الكلام لأنه لا يحصل الفخر والمدح بقتل قرن واحد ولا بالكرم مرة واحدة، وإنما يحصلان بكثرة وقوع ذلك وعلى تقدير أن قد تكون للتكثير في الفعل وزيادته لا يتصور ذلك، في قوله: * (قد نعلم) * لأن علمه تعالى لا يمكن فيه الزيادة والتكثير، وقوله: بمعنى ربما التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته، والمشهور أن رب للتقليل لا للتكثير وما الداخلة عليها هي مهيئة لأن يليها الفعل وما المهيئة لا تزيل الكلمة عن مدلولها، ألا ترى أنها في كأنما يقوم زيد ولعلما يخرج بكر لم تزل كأن عن التشبيه ولا لعل عن الترجي. قال بعض أصحابنا: فذكر بما في التقليل والصرف إلى معنى المضي يعني إذا دخلت على المضارع قال: هذا ظاهر قول سيبويه، فإن خلت من معنى التقليل خلت غالبا من الصرف إلى معنى المضي وتكون حينئذ للتحقيق والتوكيد نحو قوله * (قد نعلم إنه ليحزنك) * وقوله * (لم تؤذوننى وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم) * وقول الشاعر:
* وقد تدرك الإنسان رحمة ربه * ولو كان تحت الأرض سبعين واديا * وقد تخلو من التقليل وهي صارفة لمعنى المضي نحو قوله: * (قد نرى تقلب وجهك) * انتهى. وقال مكي: * (قد) * هنا وشبهه تأتي لتأتي لتأكيد الشيء وإيجابه وتصديقه ونعلم بمعنى علمنا. وقال ابن أبي الفضل في ري الظمآن: كلمة * (قد) * تأتي للتوقع وتأتي للتقريب من الحال وتأتي للتقليل؛ انتهى، نحو قولهم: إن الكذوب قد يصدق وإن الجبان قد يشجع والضمير في * (أنه) * ضمير الشأن، والجملة بعده مفسرة له في موضع خبران ولا يقع هنا اسم الفاعل على تقدير رفعه ما بعده على الفاعلية موقع المضارع لما يلزم من وقوع خبر ضمير الشأن مفردا وذلك لا