تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤١٩
السائلين المغفرة وقت فراغ البال وخفة الأشفال، وقال قتادة أيضا: المصلين بالأسحار. وقال زيد بن أسلم: المصلين الصبح في جماعة.
وهذا الذي فسروه كله متقارب.
* (شهد الله أنه لا إلاه إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) *.
سبب نزولها أن حبرين من الشام قدما المدينة، فقال أحدهما للآخر: ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان، ثم عرفا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنعت، فقالا: أنت محمد؟ قال: (نعم). فقالا: أنت أحمد؟ فقال: (نعم). فقالا: نسألك عن شهادة إن أخبرتنا بها آمنا. فقال: (سلاني فقال أحدهما: أخبرنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله، فنزلت وأسلما.
وقال ابن جبير: كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فلما نزلت هذه الآية خرت سجدا.
وقيل: نزلت في نصارى نجران لما حاجوا في أمر عيسى.
وقيل: في اليهود والنصارى لما تركوا اسم الإسلام وتسموا باليهودية والنصرانية.
وقيل: إنهم قالوا: ديننا أفضل من دينك، فنزلت.
وأصل: شهد، حضر، ثم صرفت الكلمة في أداء ما تقرر علمه في النفس، فأي وجه تقرر من حضور أو غيره. فقيل: معنى: شهد، هنا: أعلم. قاله المفضل وغيره، وقال الفراء، وأبو عبيدة: قضى، وقال مجاهد: حكم، وقيل: بين. وقال ابن كيسان: شهد بإظهار صنعه.
* وفي كل شيء له آية * تدل على أنه الواحد * قال الزمخشري: شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص، وآية الكحرسي وغيرهما. بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. إنتهى. وهو حسن.
وقال المروزي: ذكر شهادته سبحانه على سبيل التعظيم لشهادة من ذكر بعده، كقوله: * (قل الانفال) * إنتهى.
ومشاركة الملائكة وأولي العلم لله تعالى في الشهادة. من حيث عطفا عليه لصحة نسبة الإعلام، أو صحة نسبة الإظهار والبيان، وإن اختلفت كيفية الإظهار والبيان من حيث أن إظهاره تعالى بخلق الدلائل، وإظهار الملائكة بتقريرها للرسل، والرسل لأولي العلم.
وقال الواحدي: شهادة الله بيانه وإظهاره، والشاهد هو العالم الذي بين ما علمه، والله تعالى بين دلالات التوحيد بجميع ما خلق، وشهادة الملائكة بمعنى بالإقرار كقوله: * (هاذا قالوا شهدنا على أنفسنا) * أي: أقررنا. فنسق شهادة الملائكة على شهادة الله، وإن اختلفت معنى، لتماثلهما لفظا. كقوله: * (إن الله وملائكته يصلون على النبى) * لأنها من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار والدعاء وشهادة أولي العلم يحتمل الإقرار ويحتمل التبيين، لأنهم أقروا وبينوا. إنتهى.
وقال المؤرخ: شهد الله، بلغة قيس بن غيلان.
و * (أولوا * العلم) * قيل: هم الأنبياء. وقيل: العلماء وقيل
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»