تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٦٤
أولئك المتقدمة، وأولئك المتأخرة، والواو مقحمة، وهذا الأخير إعراب منكر لا يليق مثله بالقرآن، والمختار في الإعراب الجر على النعت والقطع، إما للنصب، وإما للرفع، وهذه الصفة جاءت للمدح. وقرأ الجمهور: يؤمنون بالهمزة ساكنة بعد الياء، وهي فاء الكلمة، وحذف همزة أفعل حيث وقع ذلك ورش وأبو عمر، وإذا أدرج بترك الهمز. وروي هذا عن عاصم، وقرأ رزين بتحريك الهمزة مثل: يؤخركم، ووجه قراءته أنه حذف الهمزة التي هي فاء الكلمة لسكونها، وأقر همزة أفعل لتحركها وتقدمها واعتلالها في الماضي والأمر، والياء مقوية لوصول الفعل إلى الاسم، كمررت بزيد، فتتعلق بالفعل، أو للحال فتتعلق بمحذوف، أي ملتبسين بالغيب عن المؤمن به، فيتعين في هذا الوجه المصدر، وأما إذا تعلق بالفعل فعلى معنى الغائب أطلق المصدر وأريد به اسم الفاعل، قالوا: وعلى معنى الغيب أطلق المصدر وأريد به اسم المفعول نحوه: هذا خلق لله، ودرهم ضرب الأمير، وفيه نظر لأن الغيب مصدر غاب اللازم، أو على التخفيف من غيب كلين، فلا يكون إذ ذاك مصدرا وذلك على مذهب من أجاز التخفيف، وأجاز ذلك في الغيب الزمخشري، ولا يصار إلى ذلك حتى يسمع منقلا من كلام العرب. والغيب هنا القرآن، قاله عاصم بن أبي الجود، أو ما لم ينزل منه، قاله الكلبي، أو كلمة التوحيد وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم)، قاله الضحاك، أو علم الوحي، قاله ابن عباس، وزر بن حبيش، وابن جريج، وابن وافد، أو أمر الآخرة، قاله الحسن، أو ما غاب من علوم القرآن، قاله عبد الله بن هانىء، أو الله عز وجل، قاله عطاء، وابن جبير، أو ما غاب عن الحواس مما يعلم بالدلالة، قاله ابن عيسى، أو القضاء والقدر، أو معنى بالغيب بالقلوب، قاله الحسن؛ أو ما أظهره الله على أوليائه من الآيات والكرامات، أو المهدي المنتظر، قاله بعض الشيعة، أو متعلق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم) من تفسير الإيمان حين سئل عنه وهو: الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، خيره وشره، وإياه نختار لأنه شرح حال المتقين بأنهم الذين يؤمنون بالغيب.
والإيمان المطلوب شرعا هو ذاك، ثم إن هذا تضمن الاعتقاد القلبي، وهو الإيمان بالغيب، والفعل البدني، وهو الصلاة، وإخراج المال. وهذه الثلاثة هي عمد أفعال المتقي، فناسب أن يشرح الغيب بما ذكرنا، وما فسر به الإقامة قبل يصلح أن يفسر به قوله: * (ويقيمون الصلواة) *، وقالوا: وقد يعبر بالإقامة عن الأداء، وهو فعلها في الوقت المحدود لها، قالوا: لأن القيام بعض أركانها، كما عبر عنه بالقنوت، والقنوت القيام بالركوع والسجود. قالوا: سبح إذا صلى لوجود التسبيح فيها، * (فلولا أنه كان من المسبحين) *، قاله الزمخشري ولا يصح إلا
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»