أحد الخبرين، لأن الأول مفرد والثاني جملة، وأن يكون في موضع نصب أي مبرأ من الريب، وبناء ريب مع لا يدل على أنها العاملة عمل إن، فهو في موضع نصب ولا وهو في موضع رفع بالابتداء، فالمرفوع بعده على طريق الإسناد خبر لذلك المبتدأ فلم تعمل حالة البناء إلا النصب في الاسم فقط، هذا مذهب سيبويه. وأما الأخفش فذلك المرفوع خبر للا، فعملت عنده النصب والرفع، وتقرير هذا في كتب النحو. وإذا عملت عمل إن أفادت الاستغراق فنفت هنا كل ريب، والفتح هو قراءة الجمهور.
وقرأ أبو الشعثاء: * (لا ريب فيه) * بالرفع، وكذا قراءة زيد بن علي حيث رفع، والمراد أيضا هنا الاستغراق، لا من اللفظ بل من دلالة المعنى، لأنه لا يريد نفي ريب واحد عنه، وصار نظير من قرأ: * (فلا رفث ولا فسوق) * بالبناء والرفع، لكن البناء يدل بلفظه على قضية العموم، والرفع لا يدل لأنه يحتمل العموم، ويحتمل نفي الوحدة، لكن سياق الكلام يبين أن المراد العموم، ورفعه على أن يكون ريب مبتدأ وفيه الخبر، وهذا ضعيف لعدم تكرار لا، أو يكون عملها إعمال ليس، فيكون فيه في موضع نصب على قول الجمهور من أن لا إذا عملت عمل ليس رفعت الاسم ونصبت الخبر، أو على مذهب من ينسب العمل لها في رفع الاسم خاصة، وأما الخبر فمرفوع لأنها وما عملت فيه في موضع رفع بالابتداء كحالها إذا نصبت وبني الاسم معها، وذلك في مذهب سيبويه، وسيأتي الكلام مشبعا في ذلك عند قوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) *، وحمل لا في قراءة لا ريب على أنها تعمل عمل ليس ضعيف لقلة إعمال لا عمل ليس، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة. وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير، فيه: بضم الهاء، وكذلك إليه وعليه وبه ونصله ونوله وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. وقرأ ابن أبي إسحاق: فهو بضم الهاء ووصلها بواو، وجوزوا في قوله: أن يكون خبرا للا على مذهب الأخفش، وخبرا لها مع اسمها على مذهب سيبويه، أن يكون صفة والخبر محذوف، وأن يكون من صلة ريب بمعنى أنه يضمر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، إلا أنه يكون متعلقا بنفس لا ريب، إذ يلزم إذ ذاك إعرابه، لأنه يصير اسم لا مطولا بمعموله نحو لا ضاربا زيدا عندنا، والذي نختاره أن الخبر محذوف لأن الخبر في باب لا العاملة عمل إن إذا علم لم تلفظ به بنو تميم، وكثر حذفه عند أهل الحجاز، وهو هنا معلوم، فاحمله على أحسن الوجوه في الإعراب، وإدغام الباء من لا ريب في فاء فيه مروي عن أبي عمرو، والمشهور عنه الإظهار، وهي رواية اليزيدي عنه. وقد قرأته بالوجهين على الأستاذ أبي جعفر بن الطباع بالأندلس، ونفي الريب يدل على نفي الماهية، أي ليس مما يحله الريب ولا يكون فيه، ولا يدل ذلك على نفي الارتياب لأنه قد وقع ارتياب من ناس كثيرين. فعلى ما قلناه لا يحتاج إلى حمله على نفي التعليق والمظنة، كما حمله الزمخشري، ولا يرد علينا قوله تعالى: * (وإن كنتم فى ريب) * لاختلاف الحال والمحل، فالحال هناك المخاطبون، والريب هو المحل، والحال هنا منفي، والمحل الكتاب، فلا تنافي بين كونهم في ريب من القرآن وكون الريب منفيا عن القرآن.
وقد قيد بعضهم الريب فقال: لا ريب فيه عند المتكلم به، وقيل هو عموم يراد به الخصوص، أي عند المؤمنين، وبعضهم جعله على حذف مضاف، أي لا سبب فيه لوضوح آياته وإحكام معانيه وصدق أخباره. وهذه التقادير لا