تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٦٢
* (الذين يؤمنون بالغيب) *: الإيمان: التصديق، * (وما أنت بمؤمن لنا) *، وأصله من الأمن أو الأمانة، ومعناهما الطمأنينة، منه: صدقة، وأمن به: وثق به، والهمزة في أمن للصيرورة كأعشب، أو لمطاوعة فعل كأكب، وضمن معنى الاعتراف أو الوثوق فعدى بالباء، وهو يتعدى بالباء واللام * (فما ءامن لموسى) *، والتعدية باللام في ضمنها تعد بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين. الغيب: مصدر غاب يغيب إذا توارى، وسمى المطمئن من الأرض غيبا لذلك أو فعيل من غاب فأصله غيب، وخفف نحو لين في لين، والفارسي لا يرى ذلك قياسا في ذوات الياء، فلا يجيز في لين التخفيف ويجيزه في ذوات الواو، ونحو: سيد وميت، وغيره قاسه فيهما. وابن مالك وافق أبا علي في ذوات الياء. وخالف الفارسي في ذوات الواو، فزعم أنه محفوظ لا مقيس، وتقرير هذا في علم التصريف. * (ويقيمون الصلواة) * والإقامة: التقويم، أقام العود قومه، أو الأدامة أقامت الغزالة سوق الضراب، أي أدامتها من قامت السوق، أو التشمر والنهوض من قام بالأمر، والهمزة في أقام للتعدية. الصلاة: فعلة، وأصله الواو لاشتقاقه من الصلى، وهو عرق متصل بالظهر يفترق من عند عجب الذنب، ويمتد منه عرقان في كل ورك، عرق يقال لهما الصلوان فإذا ركع المصلي انحنى صلاة وتحرك فسمي بذلك مصليا، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي مع صلوى السابق. قال ابن عطية: فاشتقت الصلاة منه إما لأنها جاءت ثانية الإيمان فشبهت بالمصلي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد ينثني صلواه، والصلاة حقيقة شرعية تنتظم من أقوال وهيئآت مخصوصة، وصلى فعل الصلاة، وأما صلى دعا فمجاز وعلاقته تشبيه الداعي في التخشع والرغبة بفاعل الصلاة، وجعل ابن عطية الصلاة مما أخذ من صلى بمعنى دعا، كما قال:
* عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مضطجعا * وقال:
* لها حارس لا يبرح الدهر بيتها * وإن ذبحت صلى عليها وزمزما * قال: فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء، وانضاف إليه هيئآت وقراءة، سمى جميع ذلك باسم الدعاء والقول إنها من الدعاء أحسن، انتهى كلامه. وقد ذكر أن ذلك مجاز عندنا، وذكرنا العلاقة بين الداعي وفاعل الصلاة، ومن حرف جر. وزعم الكسائي أن أصلها منا مستدلا بقول بعض قضاعة:
* بذلنا مارن الخطى فيهم * وكل مهند ذكر حسام *
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»