هو الجار والمجرور، فيكون في موضع رفع، وكان الأصل: وإذا أظلم الليل عليهم، ثم حذف، فقام الجار والمجرور مقامه، نحو: غضب زيد علي عمرو، ثم تحذف زيدا وتبني الفعل للمفعول فتقول: غضب على عمرو، فليس يكون التقدير إذ ذاك: وإذا أظلم الله الليل، فحذفت الجلالة وأقيم ضمير الليل مقام الفاعل. وأما ما وقع في كلام حبيب فلا يستشهد به، وقد نقد على أبي علي الفارسي الاستشهاد بقول حبيب:
* من كان مرعى عزمه وهمومه * روض الأماني لم يزل مهزولا * وكيف يستشهد بكلام من هو مولد، وقد صنف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره؟ ومعنى قاموا: ثبتوا ووقفوا، وصدرت الجملة الأولى بكلما، والثانية بإذا. قال الزمخشري: لأنهم حراص على وجود ما هممهم به معقودة من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس، انتهى كلامه. ولا فرق في هذه الآية عندي بين كلما وإذا من جهة المعنى، لأنه متى فهم التكرار من: * (كلما أضاء لهم مشوا فيه) * لزم منه أيضا التكرار في أنه إذا أظلم عليهم قاموا، لأن الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام، فمتى وجد هذا فقد هذا، فيلزم من تكرار وجود هذا تكرار عدم هذا، على أن من النحويين من ذهب إلى أن إذا تدل على التكرار ككلما، وأنشد:
* إذا وجدت أوار الحب في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد * قال: فهذا معناه معنى كلما.
وفي تأويل هذه الآية أقوال. قال ابن عباس والسدي: كلما أتاهم القرآن بما يحبونه تابعوه. وقال قتادة: إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم، فيسرعون إلى متابعته. وقال مقاتل: البرق الإسلام، ومشيهم فيه إهتداؤهم، فإذا تركوا ذلك وقعوا في ضلالهم. وقيل: إضاءته لهم: تركهم بلا ابتلاء، ومشيهم فيه: إقامتهم على المسالمة بإظهار ما يظهرونه، وقيل: كلما سمع المنافقون القرآن وحججه أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل ما يعمون فيه أو يكلفونه قاموا، أي ثبتوا على نفاقهم. وقيل: كلما توالت عليهم النعم قالوا: دين حق، وإذا نزلت بهم مصيبة سخطوا وثبتوا على نفاقهم. وقيل: كلما خفي نفاقهم مشوا، فإذا افتضحوا قاموا، وقيل: كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، فإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.