التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ٨
الأنبياء عليهم السلام أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه وأما نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص ما يتوقف التفسير عليه وعلى ما ورد منه في الحديث الصحيح وأما التصوف فله تعلق بالقرآن لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس وتنوير القلوب وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة واجتناب الأخلاق الذميمة وقد تكلمت المتصوفة في تفسير القرآن فمنهم من أحسن وأجاد ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني ووقف على حقيقة المراد ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتاب سماه الحقائق وقال بعض العلماء بل في البواطل وإذا انتصفنا قلنا فيه حقائق وبواطل وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يستحسن من الإشارات الصوفية دون ما يعترض أو يقدح فيه وتكلمنا أيضا على اثني عشر مقاما من مقام التصوف في مواضعها من القرآن فتكلمنا على الشكر في أم القرآن لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة * (هدى للمتقين) * وعلى الذكر في قوله فيها * (فاذكروني أذكركم) * وعلى الصبر في قوله تعالى * (وبشر الصابرين) * وعلى التوحيد في قوله فيها * (وإلهكم إله واحد) * وعلى محبة الله في قوله فيها * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * وعلى التوكل في قوله في آل عمران * (فإذا عزمت فتوكل على الله) * وعلى المراقبة في قوله في النساء * (إن الله كان عليكم رقيبا) * وعلى الخوف والرجاء في قوله في الأعراف * (وادعوه خوفا وطمعا) * وعلى التوبة في قوله في النور * (وتوبوا إلى الله جميعا) * وعلى الإخلاص في قوله في لم يكن * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين أحدهما ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها والرد على أصناف الكفار والآخر أن الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن وكل طائفة منهم تحتج لمذهبها بالقرآن وترد على من خالفها وتزعم أنه خالف القرآن ولا شك أن منهم المحق والمبطل فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التشديد والتأييد من الله والتوفيق وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن على أن كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال وما أحوج المفسر إلى معرفة النص والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب وشروط النسخ ووجوه التعارض وأسباب الخلاف وغير ذلك من علم الأصول وأما اللغة فلا بد للمفسر من حفظ ما ورد في القرآن منها وهي غريب القرآن وهي من فنون التفسير وقد صنف الناس في غريب القرآن تصانيف كثيرة وقد ذكرنا بعد هذه المقدمة مقدمة في اللغات الكثيرة الدوران في القرآن لئلا نحتاج أن نذكرها حيث وقعت فيطول الكتاب بكثرة تكرارها وأما النحو فلا بد للمفسر من معرفته فإن القرآن نزل بلسان العرب فيحتاج إلى معرفة اللسان والنحو ينقسم إلى قسمين أحدهما عوامل الإعراب وهي أحكام الكلام المركب والآخر التصريف وهي أحكام الكلمات من قبل تركيبها وقد ذكرنا في هذا الكتاب من إعراب القرآن ما يحتاج إليه من المشكل والمختلف أو ما يفيد فهم المعنى أو ما يختلف المعنى باختلافه ولم نتعرض لما سوى ذلك من الإعراب السهل الذي لا يحتاج إليه إلا المبتدىء فإن ذلك يطول بغير فائدة كبيرة وأما علم البيان فهو علم شريف تظهر به فصاحة القرآن وقد ذكرنا منه في هذا الكتاب فوائد فائقة ونكت مستحسنة رائقة وجعلنا في المقدمات بابا في أدوات البيان
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»