يستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه، ففعل ضمضم. فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وأتاه الخبر عن قريش بخروجهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، وقام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال:
يا رسول الله، امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه (1)، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير. ثم قال: " أشيروا علي أيها الناس " يريد الأنصار. وذلك أنهم عدد الناس، وكانوا حين بايعوه بالعقبة قالوا:
يا رسول الله، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى أن عليها نصرته إلا بالمدينة، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بغير بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه سعد بن معاذ - وقيل سعد بن عبادة، ويمكن أنهما تكلما جميعا في ذلك اليوم - فقال: يا رسول الله، كأنك تريدنا معشر الأنصار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجل) فقال: إنا قد آمنا بك واتبعناك، فامض لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم ". فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق قريشا إلى ماء بدر. ومنع قريشا من السبق إليه مطر عظيم أنزله الله عليهم، ولم يصب منه المسلمين إلا ما شد لهم دهس الوادي وأعانهم على المسير. والدهس: الرمل اللين الذي تسوخ فيه الأرجل. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فأشار عليه الحباب