تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٥
الثاني - أن هذا كان يوم أحد حين رمى أبي بن خلف بالحربة في عنقه، فكر أبي منهزما. فقال له المشركون: والله ما بك من بأس. فقال: والله لو بصق علي لقتلني.
أليس قد قال: بل أنا أقتله. وكان أوعد أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل بمكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل أنا أقتلك " فمات عدو الله من ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرجعه إلى مكة، بموضع يقال له " سرف (1) ". قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما كان يوم أحد أقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه لا نجوت إن نجا محمد، فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريه قتله. قال موسى بن عقبة قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه، فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل مصعب ابن عمير، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوه أبي بن خلف من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم. قال سعيد:
فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال: ففي ذلك نزل " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ".
وهذا ضعيف، لأن الآية نزلت عقيب بدر.
الثالث - أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن خيبر، فسار في الهواء حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه. وهذا أيضا فاسد، وخيبر وفتحها أبعد من أحد بكثير. والصحيح في صورة قتل ابن أبي الحقيق غير هذا.
الرابع - أنها كانت يوم بدر، قال ابن إسحاق. وهو أصح، لأن السورة بدرية، وذلك أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (خذ قبضة من التراب) فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين، من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، وقاله ابن عباس، وسيأتي. قال ثعلب: المعنى " وما رميت " الفزع والرعب في قلوبهم " إذ رميت " بالحصباء فانهزموا " ولكن الله رمى " أي أعانك وأظفرك. والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفر وصنع لك. حكى هذا أبو عبيدة

(1) سرف: موضع قريب من التنعيم وبه تروج رسول الله أم المؤمنين ميمونة الهلالية وبه توفيت ودفنت رضي الله عنها.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»