تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣١٧
وقيل: هي مخصوصة فيمن أخذ عليه العهد على ألسنة الأنبياء. وقيل: بل هي عامة لجميع الناس، لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلا فغذي وربي، وأن له مدبرا وخالقا. فهذا معنى " وأشهدهم على أنفسهم ". ومعنى (قالوا بلى) أي إن ذلك واجب عليهم. فلما اعترف الخلق لله سبحانه بأنه الرب ثم ذهلوا عنه ذكرهم بأنبيائه وختم الذكر بأفضل أصفيائه لتقوم حجته عليهم فقال له: " فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر (1) ". ثم مكنه من الصيطرة، وأتاه السلطنة، ومكن له دينه في الأرض. قال الطرطوشي (2): إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة، كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه ".
الرابعة - وقد استدل بهذه الآية من قال: إن من مات صغيرا دخل الجنة لإقراره في، الميثاق الأول. ومن بلغ العقل لم يغنه الميثاق الأول. وهذا القائل يقول: أطفال المشركين في الجنة، وهو الصحيح في الباب. وهذه المسألة اختلف فيها لاختلاف الآثار، والصحيح ما ذكرناه. وسيأتي الكلام في هذا في " الروم (3) " إن شاء الله. وقد أتينا عليها في كتاب " التذكرة " والحمد لله.
الخامسة - قوله تعالى: " من ظهورهم " بدل اشتمال من قوله " من بني آدم ". وألفاظ الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم، وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظ. ووجه النظم على هذا: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم. وإنما لم يذكر ظهر آدم لأن المعلوم أنهم كلهم بنوه. وأنهم أخرجوا يوم الميثاق من ظهره. فاستغنى عن ذكره لقوله: " من بني آدم ". (ذريتهم) قرأ الكوفيون وابن كثير بالتوحيد وفتح التاء، وهي تقع للواحد والجمع، قال الله تعالى: " هب لي من لدنك ذرية طيبة (4) " فهذا للواحد، لأنه إنما سأل هبة ولد فبشر بيحيى. وأجمع القراء على التوحيد في قوله: " من ذرية آدم (5) " ولا شئ أكثر من ذرية آدم. وقال: " وكنا ذرية من بعدهم " فهذا للجمع. وقرأ الباقون

(1) راجع ج 20 ص 37.
(2) في ى " الطرلوسى " بالسين المهملة.
(3) راجع ج 14 ص 24 فما بعد.
(4) راجع ج 4 ص 69 فما بعد.
(5) راجع ج 11 ص 120.
(٣١٧)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)، الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»