تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٦
أن يوصف بالخلو عن المعرفة، بل عرف الرب أول النظر. قال الزجاج: هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قال، وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (1) " وقال جل وعز: " إذ جاء ربه بقلب سليم (2) " أي لم يشرك به قط. قال: والجواب عندي أنه قال " هذا ربي " على قولكم، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر، ونظير هذا قوله تعالى: " أين شركائي (3) " وهو جل وعلا واحد لا شريك له. والمعنى: ابن شركائي على قولكم. وقيل: لما خرج إبراهيم من السرب رأى ضوء الكوكب وهو طالب لربه، فظن أنه ضوءه قال: " هذا ربي " أي بأنه يتراءى لي نوره. (فلما أفل) علم أنه ليس بربه. " فلما رأى القمر بازغا " ونظر إلى ضوئه " قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي " وليس هذا شركا. إنما نسب ذلك الضوء إلى ربه فلما رآه زائلا (4) دله العلم على أنه غير مستحق لذلك، فنفاه بقلبه وعلم أنه مربوب وليس برب. وقيل: إنما قال " هذا ربي " لتقرير الحجة على قومه فأظهر موافقتهم، فلما أفل النجم قرر الحجة وقال: ما تغير لا يجوز أن يكون ربا. وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها. وقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: " نور على نور (5) " قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه، فإذا عرفه أزداد نورا على نور، وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله، فعلم أن له ربا وخالقا. فلما عرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال: " أتحاجوني في الله وقد هدان " وقيل: هو على معنى الاستفهام والتوبيخ، منكرا لفعلهم. والمعنى: أهذا ربي، أو مثل هذا يكون ربا؟ فحذف الهمزة.
وفي التنزيل " أفإن مت فهم الخالدون (6) " أي أفهم الخالدون. وقال الهذلي (7):
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع * فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

(1) راجع ج 9 ص 367.
(2) راجع ج 15 ص 91.
(3) راجع ج 10 ص 97.
(4) في ك: آفلا.
(5) راجع ج 12 ص 255.
(6) راجع ج 11 ص 287.
(7) هو أبو خراش. رفوته سكته من الرعب.
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»