تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٥
قوله تعالى: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) قوله تعالى: (فلما جن عليه الليل) أي ستره بظلمته، ومنه الجنة والجنة والجنة والجنين والمجن والجن كله بمعنى الستر. وجنان الليل أدلهمامه وستره. قال الشاعر: (1) ولولا جنان الليل أدرك ركضنا * بذي الرمث والأرطى (2) عياض بن ناشب ويقال: جنون الليل أيضا. ويقال: جنة الليل وأجنه الليل لغتان. (رآى كوكبا) هذه قصة أخرى، غير قصة عرض الملكوت عليه. فقيل: رأى ذلك من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب. وقيل: لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس فرأى الإبل والخيل والغنم فقال: لا بد لها من رب. ورأى المشتري أو الزهرة ثم القمر ثم الشمس، وكان هذا في أخر الشهر. قال محمد بن إسحاق: وكان ابن خمس عشرة سنة.
وقيل: ابن سبع سنين. وقيل: لما حاج نمروذا كان ابن سبع عشرة سنة.
قوله تعالى: (قال هذا ربى) اختلف في معناه على أقوال، فقيل: كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة، وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان.
فاستدل قائلو هذه المقالة بما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: " فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي " فعبده حتى غاب عنه، وكذلك الشمس والقمر، فلما تم نظره قال: " إني برئ مما تشركون " واستدل بالأفول، لأنه أظهر الآيات على الحدوث. وقال قوم: هذا لا يصح، وقالوا: غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف، ومن كل معبود سواه برئ. قالوا: وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وآتاه رشده من قبل، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين، ولا يجوز

(1) هو دريد بن الصمة، وقيل: هو لخفاف بن ندبة (عن اللسان).
(2) الرمث (بالكسر):
مرعى من مراعى الإبل، واسم واد لبني أسد. والأرطي (جمع أرطاة): شجر ينبت بالرمل.
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»