تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٣٨
منها شيطان يدعو إليها) ثم قرأ هذه الآية. وأخرجه ابن ماجة في سننه عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: (هذا سبيل الله - ثم تلا هذه الآية - " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتعبوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ". وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام. هذه كلها عرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد، قال ابن عطية.
قلت: وهو الصحيح. ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد (1) وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: " وأن هذا صراطي مستقيما " الآية. وقال عبد الله بن مسعود: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع (2)، وعليكم بالعتيق (3). أخرجه الدارمي. وقال مجاهد في قوله:
" ولا تتبعوا السبل " قال: البدع. قال ابن شهاب: وهذا كقوله تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا (4) " الآية. فالهرب الهرب، والنجاة النجاة! والتمسك بالطريق المستقيم والسنن القويم، الذي سلكه السلف الصالح، وفيه المتجر الرابح. روى الأئمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا). وروى ابن ماجة وغيره عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت

(1) الجواد (بتشديد الدال): الطرق، واحدها جادة، وهي سواء الطريق. وقيل: معظمه وقيل: وسطه.
(2) عرف الراغب البدعة بقوله: البدعة في المذهب إيراد قوله لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة.
(3) العتيق: القديم الأول.
(4) راجع ص 149. من هذا الجزء.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»