تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١١٦
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال: الأول - ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جاء في الكتاب مضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام. على هذا أكثر أهل العلم من (أهل (1)) النظر، والفقه والأثر. ونظيره نكاح (2) المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله: " وأحل لكم ما وراء (3) ذلكم " وكحكمه باليمين مع الشاهد مع قول: " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (4) " وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) أخرجه مالك، وهو حديث صحيح. وقيل: الآية محكمة ولا حرام إلا ما فيها وهو قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة، وروي عنهم خلافه. قال مالك: لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية. وقال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تحليل كل شئ من الحيوان وغيره إلا ما استثني في الآية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير. ولهذا قلنا:
إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح. وقال الكيا الطبري: وعليها بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه، أخذا من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل. وقيل:
إن الآية جواب لمن سأل عن شئ بعينه فوقع الجواب مخصوصا. وهذا مذهب الشافعي.
وقد روى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه قال: في هذه الآية أشياء سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء. وقيل: أي لا أجد فيما أوحي إلى أي في، هذه الحال حال الوحي ووقت نزوله، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر. وزعم ابن العربي أن هذه الآية مدنية (وهي (5)) مكية في قول الأكثرين، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم نزل عليه " اليوم أكملت لكم دينكم (6) " ولم ينزل بعدها ناسخ فهي محكمة، فلا محرم إلا ما فيها، وإليه أميل.
قلت: وهذا ما رأيته قال غيره. وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة " الأنعام " مكية إلا قوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " الثلاث الآيات، وقد

(1) من ع.
(2) أي تحريمه.
(3) راجع ج 5 ص 124.
(4) راجع ج 3 ص 391.
(5) من ك.
(6) راجع ج 6 ص 47.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»