تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٨
يجيرني أيضا * (من الله أحد) * إن أرادني الله بضر أو غواية فيسلطكم أو غيركم علي * (ولن أجد من دونه ملتحدا) * ملجأ وملاذا ومهربا ومحيصا إن أهلكني أو عذبني على أيديكم أو غيركم، وإذ لا أملك النفع والضر والهداية والغواية لنفسي فكيف أملك لكم شيئا منها؟.
* (إلا بلاغا) * أي: أن أبلغكم بلاغا صادرا من الله * (و) * أبلغكم * (رسالاته) * من معاني الوحي وأحكام الحق، أي: لا أملك إلا التبليغ والرسالات فهو استثناء من معمول أملك. وقوله: * (ومن يعص الله ورسوله) * منكم فلم يقبل نوره ولم يسمع ما يبلغه رسول العقل * (فأن له نار) * الطبيعة المحرقة باستيلائها عليه أبدا * (حتى إذا رأوا) * أي: يكونون عليه لبدا يستولون عليه بالازدحام حتى إذا رأوا * (ما يوعدون) * في الرسالات من وقوع القيامة الصغرى بالموت أو الوسطى بظهور نور الفطرة واستيلاء القلب عليها، أو الكبرى بظهور نور الوحدة فسيظهر ضعفهم وقلة عددهم وخمود نارهم وانطفاؤها وكلالة حدهم وشوكتهم بإحدى الأحوال الثلاث ولا ينصر بعضهم بعضا لانقهارهم وعجزهم وفنائهم فيعلمون * (أنهم أضعف ناصرا) * من القلب * (وأقل عددا) * وإن كادوا أن يقهروه بالكثرة واستقلوه بالنسبة إلى عددهم فإن الواحد المؤيد من عند الله أقوى وأكثر * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون) * [الصافات، الآيات: 171 - 172]، * (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) * [آل عمران، الآية: 160].
* (قل إن أدري أقريب ما توعدون) * في القيامة الصغرى من الفناء والدخول في نار الطبيعة عند البعث لعدم الوقوف على قدر الله أو في الأخريين من الموت الإرادي والفناء الحقيقي لعدم الوقوف على قوة الاستعداد وضعفه فيقع عاجلا، أم ضرب الله له غاية وأجلا هو * (عالم الغيب) * وحده * (فلا) * يطلع * (على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) * أي: أعده في الفطرة الأولى وزكاه وصفاه من رسول القوة القدسية * (فإنه يسلك من بين يديه) * أي: من جانبه الإلهي * (ومن خلفه) * وجهته البدنية * (رصدا) * حفظة أما من جهة الله التي إليها وجهه فروح القدس والأنوار الملكوتية والربانية، وأما من جهة البدن فالملكات الفاضلة والهيئات النورية الحاصلة من هياكل الطاعات والعبادات يحفظونه من تخبيط الجن وخلط كلامهم من الوساوس والأوهام والخيالات بمعارفها اليقينية ومعانيها القدسية والواردات الغيبية والكشوف الحقيقية.
* (ليعلم أن قد أبلغوا) * ليظهر علمه تعالى في مظاهر الرسل مما كان مكنونا في استعدادهم فيكملوا ويكملوا بما أمكنهم حمله من رسالاته وإبلاغه * (وأحاط بما لديهم) * من العقل الفرقاني والمعاني المكنونة في فطرتهم أزلا فأظهرها * (وأحصى كل شيء) * أي: ضبط كل شيء بالعقل الفرقاني وإبراز الكمال التام جملة وتفصيلا كليا وجزئيا، أو ضبط عدد كل شيء مطلقا في القضاء والقدر كليا وجزئيا، والله تعالى أعلم.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»