* (ألقيا في جهنم) * الخطاب للسائق والشهيد اللذين يوبقانه ويلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهب مهواة الهيولى الجسمانية وغيابة جب الطبيعة الظلمانية في نيران الحرمان أو لمالك. والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل كأنما قال: ألق، لاستيلائه عليهم في الإبعاد والإلقاء إلى الجهة السفلية، ويقوي الأول أنه عدد الرذائل الموبقة التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم ووقوعهم في نيران الجحيم وبين أنها من باب العلم والعمل والكفران ومنع الخير كلاهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية لانهماكها في لذاتها واستعمالها نعم الله تعالى في غير مواضعها من المعاصي والاحتجاب عن المنعم بها ومن حقها أن تذكره وتبعث على شكره وشدة حرصها ومكالبتها عليها لفرط ولوعها بها فتمنعها عن مستحقيها. وذكرهما على بناء المبالغة ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه وغلبتهما عليه وتعمقه فيهما الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر الطبيعة، والعتود والاعتداء كلاهما من إفراط القوة الغضبية واستيلائها لفرط الشيطنة والخروج عن حد العدالة، والأربعة من باب فساد العمل والريب والشرك كلاهما من نقصان القوى النطقية وسقوطها عن الفطرة بتفريطها في جنب الله وقصورها عن حدة القوة العاقلة وذلك من باب فساد العلم.
تفسير سورة ق من [آية 27 - 30] * (قال قرينه ربنا ما أطغيته) * هذه المقاولات كلها معنوية مثلت على سبيل التخييل والتصوير لاستحكام المعنى في القلب عند ارتسام مثاله في الخيال، فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان وإنكار الشيطان إياه عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه الوهمية والعقلية، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه كالغضبية والشهوية مثلا، ولهذا قال: * (لا تختصموا) *. ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية كان أصل التخاصم بينهما وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر لتوقع نفع أو لذة يتوافقان ما دام مطلوبهما حاصلا، فإذا حرما أو وقعا بسعيهما في خسران وعذاب، تدارءا أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى الآخر لاحتجابهما عن التوحيد وتبرئ كل منهما عن ذنبه لمحبة نفسه، ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ' ورأيت أهل النار يتعاورون '. وصوب عليه السلام قوله وقول الشيطان: * (وما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) *، كقوله: * (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * [ق، الآية: 22] لأنه لو لم يكن في ضلال عن طريق التوحيد بعيد عن الفطرة الأصلية بالتوجه إلى الجهة