تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٦١
تفسير سورة الحجرات من [آية 13 - 14] قوله: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * معناه: لا كرامة بالنسب لتساوي الكل في البشرية المنتسبة إلى ذكر وأنثى والامتياز بالشعوب والقبائل إنما يكون لأجل التعارف بالانتساب لا للتفاخر فإنه من الرذائل، والكرامة لا تكون إلا بالاجتناب عن الرذائل الذي هو أصل التقوى. ثم كلما كانت التقوى أزيد رتبة كان صاحبها أكرم عند الله وأجل قدرا. فالمتقي عن المناهي الشرعية التي هي الذنوب في عرف ظاهر الشرع أكرم من الفاجر وعن الرذائل الخلقية كالجهل والبخل والشره والحرص والجبن أكرم من المجتنب عن المعاصي الموصوف بها وعن نسبة التأثير والفعل إلى الغير بالتوكل، ومشاهدة أفعال الحق أكرم من الفاضل المتدرب بالفضائل الخلقية المعتد بتأثير الغير، المحجوب برؤية أفعال الحق عن تجليات أفعال الحق وعن الحجب الصفاتية بالانسلاخ عنها في مقام الرضا ومحو الصفات أكرم من المتوكل في مقام توحيد الأفعال المحجوب بالصفات عن تجليات صفات الحق وعن وجوده المخصوص أي: أنيته التي هي أصل الذنوب بالفناء أكرم الجميع * (إن الله عليم) * بمراتب تقواكم * (خبير) * بتفاضلكم.
تفسير سورة الحجرات من [آية 15 - 18] * (إنما المؤمنون) * إلى آخره، لما فرق بين الإيمان والإسلام وبين أن الإيمان باطني قلبي والإسلام ظاهري بدني. أشار إلى الإيمان المعتبر الحقيقي وهو اليقين الثابت في القلب المستقر الذي لا ارتياب معه لا الذي يكون على سبيل الخطرات، فالمؤمنون هم الموقنون الذين غلبت ملكة اليقين قلوبهم على نفوسهم ونورتها بأنوارها فتأصلت فيها ملكة القلوب حتى تأثرت بها الجوارح فلم يمكنها إلا الجري بحكمها والتسخر لهيئتها وذلك معنى قوله: * (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) * بعد نفي الارتياب عنهم لأن بذل المال والنفس في طريق الحق هو مقتضى اليقين الراسخ وأثره في الظاهر * (أولئك هم الصادقون) * في الإيمان لظهور أثر الصدق على جوارحهم وتصديق أفعالهم وأقوالهم بخلاف المدعين المذكورين.
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»