تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ١٧٢
منها الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على الأفعال القبيحة والأعمال السيئة، فتلك أصول الشيطنة ومبادئ الشر والمفسدة، فكانت رؤوس الشياطين. * (فإنهم لآكلون منها) * يستمدون منها، ويغتذون ويتقوون، فإن الأشرار غذاؤهم من الشرور ولا يلتذون إلا بها * (فمالئون منها البطون) * بالهيئات الفاسقة والصفات المظلمة، كالممتلئ غضبا وحقدا وحسدا وقت هيجانها.
* (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم) * الأهواء الطبيعية، والمنى السيئة الرديئة، ومحبات الأمور السفلية، وقصور الشرور الموبقة التي تكسر بعض غلة الأشرار. * (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) * لغلبة الحرص، والشره بالشهوة، والحقد والبغض والطمع وأمثالها، واستيلاء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها.
تفسير سورة الصافات من [آية 83 - 101] ويمكن تطبيق قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام على حال الروح الساذج من الكمال * (إذ جاء ربه) * بسابقة معرفة الأزل والوصلة الثابتة في العهد الأول * (بقلب) * باق على الفطرة واستعداد صاف * (سليم) * عن النقائص والآفات محافظ على عهد التوحيد الفطري، منكر على المحتجبين بالكثرة عن الوحدة، ناظر في نجوم العلوم العقلية الاستدلالية والحجج والبراهين النظرية، مدرك بالاستبصار والاستدلال سقمه من جهة الأعراض النفسانية والشواغل البدنية الحاجبة، فأعرض عنه قومه البدنيون المدبرون عن مقصده ووجهته لإنكاره عليهم في تقيد الأكوان وطاعة الشيطان إلى عيدهم واجتماعهم على اللذات والشهوات التي يعودون إليها كل وقت * (فراغ) * أي: فأقبل مخفيا حاله عنهم على كسر آلهتهم بفأس التوحيد والذكر الحقيقي يضربهم * (ضربا) * بيمين العقل فرجعوا * (إليه) * غالبين مستولين عند ضعفه، ساعين في تخريب قالبه * (فألقوه) * في نار حرارة الرحم، فجعلها الله عليه بردا وسلاما، أي: روحا وسلامة من الآفات لبقاء صفاء استعداده ونقاء فطرته، وبنى عليه بنيان الجسد وجعل الله أعداءه من النفس الأمارة والقوى البدنية الملقية إياه في النار من الأسفلين لتكامل استعداده، فتوجه إلى ربه
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»