تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٤٨
لما قال في أبياته:
* فكيفما شئت فاختبرني * فابتلي بالأسر، فلم يطق، فكان يتردد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز، ويقول: ادعوا على عمكم الكذاب. وفي هذا المعنى قال الشاعر:
* وإذا ما خلا الجبان بأرض * طلب الطعن وحده والنزالا * فلا يلتفت بحال إلا إذا صار مقاما، ولا يعتبر مقاما إلا إذا امتحن في مواطنه، فإذا خلص من الامتحان فقد صح وهذا أحد فوائد مداولة الأيام بينهم ليتمرنوا بالموت ويتقوى يقينهم ويتوفر صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال: * (فقد رأيتموه) * من قتل إخوانكم بين أيديكم * (وأنتم) * تشاهدون ذلك. وفيه توبيخ لهم على أن يقينهم كان حالا لا مقاما، ففشلوا في الموطن.
* (وما محمد إلا رسول) * أي: إنه رسول بشر، سيموت أو يقتل كحال الأنبياء قبله، فمن كان على يقين من دينه فبصيرة من ربه لا يرتد بموت الرسول وقتله، ولا يفتر عما كان عليه، لأنه يجاهد لربه لا للرسول كأصحاب الأنبياء السالفين. وكما قال أنس عم أنس بن مالك يوم أحد حين أرجف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاع الخبر، وانهزم المسلمون، وبلغ إليه تقاول بعضهم: ليت فلانا يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.
وقول المنافقين: لو كان نبيا ما قتل!، يا قوم، إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد حي لا يموت!، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه. ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل. * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) * إنما ضر نفسه بنفاقه وضعف يقينه * (وسيجزي الله الشاكرين ) * لنعمة الإسلام، كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين.
[تفسير سور آل عمران من آية 145 إلى آية 151]
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»