تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٨٩
أما أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الإيجاد والتكوين والأحداث ليست إلا لله، فبطلت هذه المذاهب بالكلية.
وأما المعتزلة فقد سلموا أن الإنسان قادر على إيجاد بعض الحوادث، فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين لا قدرة لها على خلق الأجسام والحياة، ودليلهم أن قالوا الشيطان جسم، وكل جسم فإنه قادر بالقدرة، والقدرة لا تصلح لإيجاد الأجسام، فهذه مقدمات ثلاث: المقدمة الأولى: أن الشيطان جسم، وقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى الله تعالى إما متحيز وإما حال في المتحيز، وليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا عن حجة. وأما المقدمة الثانية - وهي قولهم الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة - فقد بنوا هذا على أن الأجسام مما تستلزم مماثلة، فلو كان شيء منها قادرا لذاته لكان الكل قادرا لذاته، وبناء هذه المقدمة على تماثل الأجسام، وأما المقدمة الثالثة - وهي قولهم هذه القدرة التي لنا لا تصلح لخلق الأجسام فوجب أن لا تصلح القدرة الحادثة لخلق الأجسام - وهذا أيضا ضعيف، لأنه يقال لهم لم لا يجوز حصول قدرة مخالفة لهذه القدرة الحاصلة لنا وتكون تلك القدرة صالحة لخلق الأجسام فإنه لا يلزم من عدم وجود الشيء في الحال امتناع وجوده، فهذا إتمام الكلام في هذه المسألة. هل يعلم الجن الغيب:
المسألة الثالثة عشرة: اختلفوا في أن الجن هل يعلمون الغيب؟ وقد بين الله تعالى في كتابه أنهم بقوا في قيد سليمان عليه السلام وفي حبسه بعد موته مدة وهم ما كانوا يعلمون موته، وذلك يدل على أنهم لا يعلمون الغيب، ومن الناس من يقول أنهم يعلمون الغيب، ثم اختلفوا فقال بعضهم إن فيهم من يصعد إلى السماوات أو يقرب منها ويخبر ببعض الغيوب على ألسنة الملائكة، ومنهم من قال: لهم طرق أخرى في معرفة الغيوب لا يعلمها إلا الله، واعلم أن فتح الباب في أمثال هذه المباحث لا يفيد إلا الظنون والحسبانات والعالم بحقائقها هو الله تعالى. أسباب الاستعاذة وأركانها:
الركن الخامس من أركان مباحث الاستعاذة. المطالب التي لأجلها يستعاذ.
إعلم أنا قد بينا أن حاجات العبد غير متناهية، فلا خير من الخيرات إلا وهو محتاج إلى تحصيله، ولا شر من الشرور إلا وهو محتاج إلى دفعه وإبطاله، فقوله: (أعوذ بالله) يتناول دفع جميع الشرور الروحانية والجسمانية، وكلها أمور غير متناهية، ونحن ننبه على معاقدها فنقول: الشرور إما أن تكون من باب الاعتقادات الحاصلة في القلوب، وإما أن تكون من باب الأعمال الموجودة في الأبدان، أما القسم الأول فيدخل فيه جميع العقائد الباطلة.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»