يصح الاكتفاء بها منها بدليل استقراء القرآن والنثر والنظم، وبالجملة فهب أن إبدال الشيء من مخالفه القريب منه جائز إلا أن إبدال الشيء من بعضه أولى، فوجب حمل الكلام عليه. الابتداء بالساكن:
المسألة الحادية عشرة: الابتداء بالحرف الساكن محال عند قوم، وجائز عند آخرين، لأن الحركة عبارة عن الصوت الذي يحصل التلفظ به بعد التلفظ بالحرف، وتوقيف الشيء على ما يحصل بعده محال.
المسألة الثانية عشرة: أثقل الحركات الضمة، لأنها لا تتم إلا بضم الشفتين، ولا يتم ذلك إلا بعمل العضلتين الصلبتين الواصلتين إلى طرفي الشفة، وأما الكسرة فإنه يكفي في تحصيلها العضلة الواحدة الجارية، ثم الفتحة يكفي فيها عمل ضعيف لتلك العضلة، وكما دلت هذه المعالم التشريحية على ما ذكرناه فالتجربة تظهره أيضا، واعلم أن الحال فيما ذكرناه يختلف بحسب أمزجة البلدان، فإن أهل أذربيجان يغلب على جميع ألفاظهم إشمام الضمة، وكثير من البلاد يغلب على لغاتهم إشمام الكسرة والله أعلم.
المسألة الثالثة عشرة: الحركات الثلاثة مع السكون إن كانت إعرابية سميت بالرفع والنصب والجر أو الخفض والجزم، وإن كانت بنائية سميت بالفتح والضم والكسر والوقف.
المسألة الرابعة عشرة: ذهب قطرب إلى أن الحركات البنائية مثل الإعرابية، والباقون خالفوه، وهذا الخلاف لفظي، فإن المراد من التماثل إن كان هو التماثل في الماهية فالحس يشهد بأن الأمر كذلك وإن كان المراد حصول التماثل في كونها مستحقة بحسب العوامل المختلفة فالعقل يشهد أنه ليس كذلك.
المسألة الخامسة عشرة: من أراد أن يتلفظ بالضمة فإنه لا بد له من ضم شفتيه أولا ثم رفعهما ثانيا، ومن أراد التلفظ بالفتحة فإنه لا بد له من فتح الفم بحيث تنتصب الشفة العليا عند ذلك الفتح، ومن أراد التلفظ بالكسرة فإنه لا بد له من فتح الفم فتحا قويا والفتح القوي لا يحصل إلا بانجرار اللحى الأسفل وانخفاضه، فلا جرم يسمى ذلك جرا وخفضا وكسرا لأن انجرار القوي يوجب الكسر، وأما الجزم فهو القطع. وأما أنه لم سمي وقفا وسكونا فعلته ظاهرة.
المسألة السادسة عشرة: منهم من زعم أن الفتح والضم والكسر والوقف أسماء للأحوال البنائية، كما أن الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، ومنهم من جعل الأربعة الأول: أسماء تلك الأحوال سواء كانت بنائية أو إعرابية، وجعل الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، فتكون الأربعة الأولى بالنسبة إلى الأربعة الثانية كالجنس بالنسبة إلى النوع.