تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٣٧
إنا إذا قلنا وجد الشيء فهل دل ذلك على حصول الوجود لشيء أو لم يدل؟ فإن لم يدل بطل هذا القيد، وإن دل لزم أن يكون الوجود حاصلا لشيء غيره، وذلك الغير يجب أن يكون حاصلا في نفسه لأن ما لا حصول له في نفسه امتنع حصول غيره له، فيلزم أن يكون حصول الوجود له مسبوقا بحصول آخر إلى غير النهاية، وهو محال. والثالث: إذا قلنا عدم الشيء وفني فهذا يقتضي حصول العدم وحصول الفناء لتلك الماهية، وذلك محال، لأن العدم والفناء نفي محض فكيف يعقل حصولهما لغيرهما والرابع: إن على تقدير أن يكون الوجود زائدا على الماهية فإنه يصدق قولنا: " إنه حصل الوجود لهذه الماهية " فيلزم حصول وجود آخر لذلك الوجود إلى غير نهاية، وهو محال، وأما على تقدير أن يكون الوجود نفس الماهية فإن قولنا: حدث الشيء وحصل فإنه لا يقتضي حصول وجود لذلك الشيء، وإلا لزم أن يكون الوجود زائدا على الماهية، ونحن الآن إنما نتكلم على تقدير أن الوجود نفس الماهية.
وأما القيد الثاني: وهو قولنا: " في زمان معين " ففيه سؤالات أحدها: أنا إذا قلنا: " وجد الزمان " أو قلنا: " فني الزمان " فهذا يقتضي حصول الزمان في زمان آخر، ولزم التسلسل، فإن قالوا: يكفي في صحة هذا الحد كون الزمان واقعا في زمان آخر بحسب الوهم الكاذب، قلنا: الناس أجمعوا على أن قولنا حدث الزمان وحصل بعد أن كان معدوما كلام حق ليس فيه باطل ولا كذب، ولو كان الأمر كما قلتم لزم كونه باطلا وكذبا، وثانيها:
أنا إذا قلنا: كان العالم معدوما في الأزل، فقولنا: كان فعل فلو أشعر ذلك بحصول الزمان لزم حصول الزمان في الأزل، وهو محال، فإن قالوا: ذلك الزمان مقدر لا محقق، قلنا التقدير الذهني إن طابق الخارج عاد السؤال، وإن لم يطابق كان كذبا، ولزم فساد الحد، وثالثها: أنا إذا قلنا: كان الله موجودا في الأزل، فهذا يقتضي كون الله زمانيا، وهو محال، ورابعها: أنه ينتقض بالأفعال الناقصة، فإن كان الناقصة إما أن تدل على وقوع حدث في زمان أو لا تدل: فإن دلت كان تاما لا ناقصا، لأنه متى دل اللفظ على حصول حدث في زمان معين كان هذا كلاما تاما لا ناقصا، وإن لم يدل وجب أن لا يكون فعلا، وخامسها: أنه يبطل بأسماء الأفعال، فإنها تدل على ألفاظ دالة على الزمان المعين، والدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء فهذه الأسماء دالة على الزمان المعين، وسادسها: أن اسم الفاعل يتناول إما الحال وإما الاستقبال ولا يتناول الماضي البتة، فهو دال على الزمان المعين، والجواب أما السؤالات الأربعة المذكورة على قولنا: " الفعل يدل على ثبوت المصدر لشيء " والثلاثة المذكورة على قولنا
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»