التاسعة: اجعل نفسك قرين ذكر الله تعالى حتى لا تبعد عنه في الدارين، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع خاتمه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أكتب فيه لا إله إلا الله، فدفعه إلى النقاش وقال: أكتب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكتب النقاش فيه ذلك، فأتى أبو بكر بالخاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى النبي فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: يا أبا بكر، ما هذه الزوائد؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله ما رضيت أن أفرق اسمك عن اسم الله، وأما الباقي فما قلته، وخجل أبو بكر، فجاء جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله أما اسم أبي بكر فكتبته أنا لأنه ما رضي أن يفرق اسمك عن اسم الله فما رضي الله أن يفرق اسمه عن اسمك، والنكتة أن أبا بكر لما لم يرض بتفريق اسم محمد صلى الله عليه وسلم عن اسم الله عز وجل وجد هذه الكرامة فكيف إذا لم يفارق المرء ذكر الله تعالى؟.
العاشرة: أن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة قال: (بسم الله مجراها ومرساها) فوجد النجاة بنصف هذه الكلمة، فمن واظب على هذه الكلمة طول عمره كيف يبقى محروما عن النجاة؟ وأيضا أن سليمان عليه السلام نال مملكة الدنيا والآخرة بقوله: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * (النمل: 30) فالمرجو أن العبد إذا قاله فاز بملك الدنيا والآخرة.
الحادية عشرة: إن قال قائل لم قدم سليمان عليه السلام اسم نفسه على اسم الله تعالى في قوله: (إنه من سليمان) * فالجواب من وجوه: الأول: أن بلقيس لما وجدت ذلك الكتاب موضوعا على وسادتها ولم يكن لأحد إليها طريق ورأت الهدهد واقفا على طرف الجدار علمت أن ذلك الكتاب من سليمان، فأخذت الكتاب وقالت: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب ورأت بسم الله الرحمن الرحيم قالت: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فقوله: * (إنه من سليمان) * من كلام بلقيس لا كلام سليمان: الثاني: لعل سليمان كتب على عنوان الكتاب * (إنه من سليمان) * وفي داخل الكتاب ابتدأ بقوله: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * كما هو العادة في جميع الكتب، فلما أخذت بلقيس ذلك الكتاب قرأت ما في عنوانه، فقالت: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالت: وأنه بسم الله الرحمن الرحيم: الثالث: أن بلقيس كانت كافرة فخاف سليمان أن تشتم الله إذا نظرت في الكتاب فقدم اسم نفسه على اسم الله تعالى، ليكون الشتم له لا لله تعالى.