يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فيتكلم الفخذ والكف ثم ذكر الله تعالى محاورتهم لجلودهم في قولهم * (لم شهدتم علينا) * أي وعذابنا عذاب لكم واختلف الناس ما المراد بالجلود فقال جمهور الناس هي الجلود المعروفة وقال عبد الله بن أبي جعفر كنى بالجلود عن الفروج وإياها أراد واخبر تعالى ان الجلود ترد جوابهم بان الله الخالق المبدىء المعيد هو الذي أنطقهم وقوله " أنطق كل شيء " يريد كل ناطق مما هي فيه عادة أو خرق عادة قوله عز وجل * (وما كنتم تستترون) * يحتمل ان يكون من كلام الجلود ومحاورتها ويحتمل ان يكون من كلام الله عز وجل لهم أو من كلام ملك يأمره تعالى وأما المعنى فيحتمل وجهين أحدهما ان يريد وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر خوف ان يشهد أو لأجل ان يشهد ولكن ظننتم ان الله لا يعلم فانهملتم وجاهرتم وهذا هو منحى مجاهد والستر قد يتصرف على هذا المعنى ونحوه ومنه قول الشاعر (والستر دون الفاحشات وما * يلقاك دون الخير من ستر) الكامل والمعنى الثاني ان يريد وما كنتم تمتنعون ولا يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم ولا تظنون انها تصل بكم إلى هذا الحد وهذا هو منحى السدي كان المعنى وما كنتم تدفعون بالاختفاء والستر ان يشهد لأن الجوارح لزيمة لكم وفي إلزامه إياهم الظن بأن الله تعالى لا يعلم هو إلزامهم الكفر والجهل بالله وهذا المعتقد يؤدي بصاحبه إلى تكذيب أمر الرسل واحتقار قدرة الإله لا رب غيره وفي مصحف ابن مسعود (ولكن زعمتم ان الله) وحكى الطبري عن قتادة أنه عبر عن * (تستترون) * ب (تبطنون) وذلك تفسير لم ينظر فيه إلى اللفظ ولا ارتباط فيه معه وذكر الطبري وغيره حديثا عن عبد الله بن مسعود قال إني لمستتر بأستار الكعبة إذ دخل ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتحدثوا بحديث فقال أحدهم أترى الله يسمع ما قلنا قال الآخر أنه يسمع إذا رفعنا ولا يسمع إذا أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع منه شيئا فإنه يسمعه كله فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فنزلت هذه الآية * (وما كنتم تستترون) * الآية فقرأ حتى بلغ " وأن تستعتبوا فما هم من المعتبين " فصلت 28 وذكر النقاش ان الثلاثة صفوان بن أمية وفرقد بن ثمامة وأبو فاطمة وذكر الثعلبي ان الثقفي عبد يا ليل والقرشيان ختناه ربيعة وصفوان ابنا أمية بن خلف ويشبه ان يكون هذا بعد فتح مكة فالآية مدنية ويشبه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الآية متمثلا بها عند إخبار عبد الله إياه والله أعلم
(١١)