وفي قراءة عبد الله بن مسعود (ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد) وسقط * (لهم فيها) * وجحودهم بآيات الله مطرد في علاماته المنصوبة لخلقه وفي آيات كتابه المنزلة على نبيه ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون ان يحصل في أشد عذاب فحينئذ يقولون " ربنا أرنا اللذين أضلانا " وظاهر اللفظ يقتضي ان الذي في قولهم " اللذين " إنما هو للجنس أي * (أرنا) * كل مغو ومضل * (من الجن والإنس) * وهذا قول جماعة من المفسرين وقال علي بن أبي طالب وقتادة وطلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وإبليس الأبالسة من الجن قال القاضي أبو محمد وتأمل هل يصح هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن ولد آدم مؤمن عاص وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود وإنما القوي انهم طلبوا النوعين وقد أصلح بعضهم هذا القول بان قال يطلب ولد آدم كل عاص دخل النار من أهل الكبائر ويطلب إبليس كل كافر ولفظ الآية يزحم هذا التأويل لأنه يقتضي ان الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا وقرأ نافع وحمزة والكسائي (أرنا) بكسر الراء وهي رؤية عين ولذلك فهو فعل يتعدى إلى مفعولين وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (أرنا) بسكون الراء فقال هشام بن عمار هو خطأ وقال أبو علي هي مخففة من (أرنا) كما قالوا ضحك وفخذ وقرأ أبو عمرو بإشمام الراء الكسر ورويت عن أهل مكة وقوله * (نجعلهما تحت أقدامنا) * يريدون في أسفل طبقة من النار وهي أشد عذابا وهي درك المنافقين وقوله تعالى * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * آية وعد للمؤمنين قال سفيان بن عبد الله الثقفي قلت للنبي عليه السلام أخبرني بأمر اعتصم به فقال قل ربي الله ثم استقم قلت فما أخوف ما تخاف علي فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال هذا واختلف الناس في مقتضى قوله * (ثم استقاموا) * فذهب الحسن وقتادة وجماعة إلى أن معناه استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي وتلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب قال القاضي أبو محمد ذهب رضي الله عنه إلى حمل الناس على الأتم الأفضل والا فلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب الا تنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة معه إلى أن المعنى * (ثم استقاموا) * على قولهم * (ربنا الله) * فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب إيمانهم وروى انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا هذه الآية وقال قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو ممن استقام المعنى فهو في أول درجات الاستقامة من الخلود فهذا كقوله عليه السلام (من كان آخر كلامه لا إله الا الله دخل الجنة) وهذا هو
(١٤)