المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٧
وقوله تعالى * (وهي دخان) * روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان أو البخار وروي انه مما أمره الله ان يصعد من الماء وهنا لفظ متروك ويدل عليه الظاهر وتقديره فأوجدها وأتقنها وأكمل امرها وحينئذ قيل لها وللأرض * (ائتيا طوعا أو كرها) * وقرأ الجمهور ايتيا من اتى يأتي قالتا أتينا على وزن أفعلنا وذلك بمعنى إيتيا وإرادتي فيكما وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد (آيتيا) من آتى يؤتى (قالتا آتينا) على وزن أفعلنا وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما والإشارة بهذا كله إلى تسخيره وما قدره الله من اعمالها وقوله * (أو كرها) * فيه محذوف ومقتضب والتقدير * (ائتيا طوعا) * والا أتيتما * (كرها) * وقوله * (قالتا) * أراد الفرقتين المذكورتين وجعل السماوات سماء والأرضين أرضا ونحو هذا قول الشاعر (ألم يحزنك ان حبال قومي * وقومك قد تباينتا انقطاعا) الوافر جعلها فرقتين وعبرعنها ب * (ائتيا) * وقوله * (طائعين) * لما كانت ممن يقول وهي حالة عقل جرى الضمير في (طائعين) ذلك المجرى وهذا كقوله * (رأيتهم لي ساجدين) * يوسف 4 ونحوه واختلف الناس في هذه المقالة من السماء والأرض فقالت فرقة نطقت حقيقة وجعل الله تعالى لها حياة وإدراكا يقتضي نطقها وقالت فرقة هذا مجاز وانما المعنى أنها ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة لقول * (أتينا طائعين) * والقول الأول أحسن لأنه لا شيء يدفعه وإنما العبرة به أتم والقدرة فيه أظهر وقوله تعالى * (فقضاهن) * معناه صنعهن وأوجدهن ومنه قول أبي ذؤيب (وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع) الكامل وقوله تعالى * (وأوحى في كل سماء أمرها) * قال مجاهد وقتادة أوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة وإليها هي في نفسها ما شاء الله تعالى من الأمور التي بها قوامها وصلاحها قال السدي وقتادة ومن الأمور التي هي لغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوه وأضاف الأمر إليها من حيث هو فيها ثم أخبر تعالى ان الكواكب زين بها السماء الدنيا وذلك ظاهر اللفظ وهو بحسب ما يقتضيه حسن البصر وقوله تعالى * (وحفظا) * منصوب بإضمار فعل أي وحفظناها حفظا وقوله * (ذلك) * إشارة إلى جميع ما ذكر أو أوجده بقدرته وعزته وأحكمه بعلمه
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»