المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٠٠
بعضهم قال إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل انسان فلتعرض ذلك الصحف علينا فنزلت الآية و * (منشرة) * معناه منشورة غير مطوية وقرا سعيد بن جبير (صحفا) بسكون الحاء وهي لغة يمانية وقرأ (منشرة) بسكون النون وتخفيف الشين وهذا على أن يشبه نشرت الثوب بأنشر الله الميت إذا لطى كالموت وقد عكس التيمي التشبيه في قوله (ردت صنائعه عليه حياته * فكأنه من نشرها منشور) الكامل ولا يقال في الميت يحيى منشور الا على تشبيه بالثوب واما محفوظ اللغة فنشرت الصحيفة وأنشر الله الميت وقد جاء عنهم نشر الله الميت وقوله تعالى * (كلا) * رد على إرادتهم أي ليس الأمر كذلك ثم قال * (بل لا يخافون الآخرة) * المعنى هذه العلة والسبب في إعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم للهدى حتى هلكوا وقرأ أبو حيوة (تخافون) بالتاء من فوق رويت عن ابن عامر ثم أعاد الرد والرجز بقوله تعالى * (كلا) * وأخبر ان هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها * (تذكرة) * * (فمن شاء) * وفقه الله تعالى لذلك ذكر معاده فعمل له ثم اخبر تعالى ان ذكر الإنسان معاده وجريه إلى فلاحه إنما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء الا بها وقرا نافع وأهل المدينة وسلام ويعقوب (تذكرون) بالتاء من فوق وقرا أبو جعفر وعاصم وأبو عمرو والأعمش وطلحة وابن كثير وعيسى والأعرج (يذكرون) بالياء من تحت وروي عن أبي جعفر بالتاء من فوق وشد الذال كأنه تتذكرون فأدغم وقوله تعالى * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * خبر جزم معناه ان الله تعالى أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى ونقمه التي لا تدفع لأن يتقى ويطاع ويحذر عصيانه وخلاف امره وانه بفضله وكرمه أهل ان يغفر لعباده إذا اتقوه وروى أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية فقال يقول ربكم جلت قدرته وعظمته انا أهل ان اتقى فلا يجعل معي إله غيري ومن اتقى ان يجعل معي إلها غيري فانا أغفر له وقال قتادة معنى الآية هو أهل ان تتقى محارمه وأهل ان يغفر الذنوب نجز تفسير سورة المدثر والحمد لله كثيرا
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»