المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٧٩
وقول الجن * (إنا سمعنا) * الآيات هو خطاب منهم لقومهم الذين ولوا إليهم منذرين و * (قرآنا عجبا) * معناه ذا عجب لأن العجب مصدر يقع من سامع القرآن لبراعته وفصاحته ومضمناته وليس نفس القرآن هو العجب وقرا جمهور الناس (إلى الرشد) بضم الراء وسكون الشين وقرا عيسى الثقفي (إلى الرشد) بفتح الراء والشين وقرأ عيسى (إلى الرشد) ومن كسر الألف من قوله (وإنه تعالى) فعلى القطع ويعطف الجملة على قوله * (إنا سمعنا) * ومن فتح الألف من قوله (وانه تعالى) اختلفوا في تأويل ذلك فقال بعضهم هي عطف على * (أنه استمع) * فيجيء على هذا قوله " تعالى " مما أمر أن يقول إنه أوحي اليه وليس يكون من كلام الجن وفي هذا قلق وقال بعضهم بل هي عطف على الضمير في " به " فكأنه يقول فآمنا به وبانه تعالى وهذا القول ليس في المعنى لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض وذلك لا يحسن وقرا جمهور الناس (جد ربنا) بفتح الجيم وضم الدال وإضافته إلى الرب وقال جمهور المفسرين معناه عظمته وروي عن انس أنه قال كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد في أعيننا أي عظم وقال أنس بن مالك والحسن * (جد ربنا) * معناه فهذا هو من الجد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وقال مجاهد ذكره كله متجه لأن الجد هو حظ المجدود من الخيرات والأوصاف الجميلة فجد الله تعالى هو الحظ الأكمل من السلطان الباهر والصفات العلية والعظمة ومن هذا قول اليهودي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة (يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون) أي حظكم من الخيرات وبختكم وقال علي بن الحسين رضي الله عنه وأبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن انس ليس لله جد وهذا مقالة قوم جهلة من الجن جعلوا الله جدا أبا أب قال كثير من المفسرين هذا قول ضعيف وقوله * (ولن نشرك بربنا أحدا) * يدفعه وكونهم فيما روي على شريعة متقدمة وفهمهم للقرآن وقرأ محمد بن السميفع اليماني (جد ربنا) وهو من الجد والنفع وقرا عكرمة (جد ربنا) بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كأنه يقول تعالى عظيم هو ربنا ف (ربنا) بدل والجد العظيم في اللغة وقرا حميد بن قيس (جد ربنا) بضم الجيم ومعناه ربنا العظيم حكاه سيبويه وبإضافته إلى الرب فكأنه قال عظيم وهذه إضافة تجديد يوقع النحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصفة إلى الموصوف كما تقول جاءني كريم زيد تريد زيدا الكريم ويجري مجرى هذا عند بعضهم قول المتنبي (عظيم الملك في المقل *) البسيط أراد الملك العظيم قال بعض النحاة وهذا المثال يعترض بأنه أضاف إلى جنس فيه العظيم والحقير وقرا عكرمة أيضا (جدا ربنا) بفتح الجيم والدال وتنوينها ورفع الرب ونصب (جدا) على التمييز كما تقول تفقأت شحما وتصببت عرقا وقرا قتادة (جدا ربنا) بكسر الجيم ورفع الباء وشد الدال فنصب جدا على الحال ومعناه تعالى حقيقة ومتمكنا وهذا معنى غير الأول وقرا أبو الدرداء (تعالى ذكر ربنا) وروي عنه (تعالى جلال ربنا) وقوله تعالى * (وأنه كان يقول) * لا خلاف ان هذا من قول الجن وكسر
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»