المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٥
وتم خبر كان ثم ابتدأ * (من الليل ما يهجعون) * ف " ما " نافية و * (قليلا) * وقف حسن وقال بعض النحاة " ما " زائدة و * (قليلا) * مفعول مقدم ب * (يهجعون) * وقال جمهور النحويين (ما) مصدرية و * (قليلا) * خبر (كان) والمعنى كانوا قليلا من الليل هجوعهم والهجوع مرتفع ب (قليل) على أنه فاعل وعلى هذا الاعراب يجيء قول الحسن وغيره وهو الظاهر عندي أن المراد كان هجوعهم من الليل قليلا وفسر ابن عمر والضحاك * (يستغفرون) * ب (يصلون) وقال الحسن معناه يدعون في طلب المغفرة و * (الأسحار) * مظنة الاستغفار ويروى ان أبواب الجنة تفتح سحر كل يوم وفي قصة يعقوب عليه السلام في قوله * (سوف أستغفر لكم ربي) * يوسف 98 قال آخر الاستغفار لهم إلى السحر قال ابن زيد في كتاب الطبري السحر السدس الآخر من الليل وقوله تعالى * (وفي أموالهم حق) * الصحيح انها محكمة وان هذا الحق هو على وجه الندب لا على وجه الفرض و * (معلوم) * يراد به متعارف وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات وقال منذر بن سعيد هي الزكاة المفروضة وهذا ضعيف لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة وقال قوم من المتأولين كان هذا ثم نسخ بالزكاة وهذا غير قوي وما شرع الله عز وجل بمكة قبل الهجرة شيئا من أخذ الأموال واختلف الناس في * (المحروم) * اختلافا هو عندي تخليط من المتأخرين إذ المعنى واحد وإنما عبر علماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالا وحصرها مكي ثمانية و * (المحروم) * هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة وهو مع ذلك لا يسأل فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق قال الشعبي أعياني ان اعلم ما * (المحروم) * وقال ابن عباس * (المحروم) * المعارف الذي ليس له في الاسلام سهم مال فهو ذو الحرفة المحدود وقال أبو قلابة جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا * (المحروم) * وقال زيد بن أسلم هو الذي أجيحت ثمرته من المحرومين والمعنى الجامع لهذه الأقوال انه الذي لا مال له لحرمان أصابه والا فالذي أجيحت ثمرته وله مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع وبعد هذا مقدرمن الكلام تقديره فكونوا مثلهم أيها الناس وعلى طريقتهم فإن النظر المؤدي إلى ذلك متوجه ف * (في الأرض آيات) * لمن اعتبر وأيقن قال القاضي أبو محمد وهذه إشارة إلى لطائف الحكمة وعجائب الخلقة التي في الأرضين والجبال والمعادن والعيون وغير ذلك وقرأ قتادة (آية) على الإفراد وقوله تعالى * (وفي أنفسكم) * إحالة على النظر في شخص الإنسان فإنه أكثر المخلوقات التي لدينا عبرة لما جعل الله فيه مع كونه من تراب من لطائف الحواس ومن امر النفس وجهاتها ونطقها واتصال هذا الجزء منها بالعقل ومن هيئة الأعضاء واستعدادها لتنفع أو تجمل أو تعين قال ابن زيد إنما القلب مضغة في جوف ابن آدم جعل الله فيه العقل أفيدري أحد ما ذاك العقل وما صفته وكيف هو وقال الرماني النفس خاصة الشيء التي لو بطل ما سواها مما ليست مضمنة به لم تبطل وهذا تعمق لا احمده وقوله * (أفلا تبصرون) * توقيف وتوبيخ
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»