سحاب مركوم ومنه قول ذي الرمة (زع بالزمام وجوز الليل مركوم *) البسيط وقوله * (ويجعل الخبيث) * بمعنى يلقي قاله أبو علي * (أولئك هم الخاسرون) * على هذا التأويل يراد المنافقون من الكفار ولفظة الخسارة تليق بهم من جهة المال وبغير ذلك من الجهات وقوله * (قل للذين كفروا) * الآية أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار هذا المعنى الذي تضمنه ألفاظ قوله * (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وسواء قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبارة أو غيرها ولو كان الكلام كما ذكر الكسائي أنه في مصحف ابن مسعود قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لكم لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها هذا بحسب ما تقتضيه الألفاظ وقوله * (إن ينتهوا) * يريد به عن الكفر ولا بد والحامل على ذلك جواب الشرط ب * (يغفر لهم ما قد سلف) * ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وقوله * (إن يعودوا) * يريد به إلى القتال لأن لفظة عاد يعود إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان الإنسان عليها ثم تنقل عنها ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال ولا يصح أن يتأول * (وإن يعودوا) * إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه وإنما قلنا في عاد إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة على الابتداء والخبر بمنزلة صار وذلك كما تقول عاد زيد ملكا تريد صار ومنه قول أبي الصلت (تلك المكارم لا قعبان من لبن * شبيبا بماء فعادا بعد أبوالا) وهذه لا تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان العائد عليها قبل لكنها مقيدة بخبرها لا يجوز الاقتصار دونه فحكمها حكم صار وقوله * (فقد مضت سنة الأولين) * عبارة بجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه وبمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام والشرع والمعنى فقد رأيتم وسمعتم عن الأمم ما حل قال القاضي أبو محمد والتخويف عليهم بقصة بدر أشد إذ هي القريبة منهم والمعاينة عندهم وعليها نص ابن إسحاق والسدي وقوله تعالى * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * الآية أمر من الله عز وجل فرض به على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار والفتنة قال ابن عباس وغيره معناها الشرك وقال ابن إسحاق معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كما كانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم كبلال وغيره وهو مقتضى قول عروة بن الزبير في جوابه لعبد الملك بن مروان حين سأله عن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا وقوله * (ويكون الدين كله لله) * أي لا يشرك صنم ولا وثن ولا يعبد غيره وقال قتادة حتى تستوسق كلمة الإخلاص لا إله إلا الله قال القاضي أبو محمد وهذه المعاني تتلازم كلها وقال الحسن حتى لا يكون بلاء وهذا يلزم عليه القتال في فتن المسلمين الفئة الباغية على سائر ما ذكرناه من الأقوال يكون المعتزل في فسحة وعلى هذا جاء قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه أما نحن فقد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وأما أنت وأصحابك فتريدون أن نقاتل حتى تكون فتنة
(٥٢٧)