المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥١٦
والعرب تفعل هذا كما لا أرينك ها هنا يريدون لا تقم ها هنا فتقع مني رؤيتك ولم يريدوا نهي الإنسان الرائي نفسه فكذلك المراد في الآية لا يقع من ظلمتكم ظلم فتقع من الفتنة إصابتهم نحا إليه الزجاج وهو قول أبي العباس المبرد وحكاه النقاش عن الفراء ونهي الظلمة ها هنا بلفظ مخاطبة الجمع كما تقول لقوم لا يفعل سفهاءكم كذا وكذا وأنت إنما تريد نهي السفهاء فقط و * (خاصة) * نعت لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة فهي نصب على الحال لما انحذف المصدر من الضمير في * (تصيبن) * وهذا الفعل هو العامل ويحتمل أن تكون * (خاصة) * حالا من الضمير في * (ظلموا) * ولا يحتاج إلى تقدير مصدر محذوف والأول أمكن في المعنى وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو جعفر محمد بن علي والربيع بن أنس وأبو العالية وابن جماز لتصيبن باللام على جواب قسم والمعنى على هذا وعيد الظلمة فقط قال أبو الفتح يحتمل أن يراد بهذه القراءة لا تصيبن فحذف الألف من لا تخفيفا واكتفاء بالحركة كما قالوا أم والله ويحتمل أن يراد بقراءة الجماعة لا تصيبن فمطلت حركة اللام فحدثت عنها ألف قال القاضي أبو محمد وهذا تنطع في التحميل وحكى النقاش هذه القراءة عن الزبير بن العوام وهذا خلاف لما حكى الطبري وغيره من تأويل الزبير رضي الله عنه في الآية وحكى النقاش عن ابن مسعود أنه قرأ واتقوا فتنة أن تصيب وقوله * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * وعيد يلتئم مع تأويل الزبير والحسن التئاما حسنا ويلتئم مع سائر التأويلات بوجوه مختلفة وروي عن علي بن سليمان الأخفش أن قوله * (لا تصيبن) * هي على معنى الدعاء ذكره الزهراوي وقوله تعالى * (واذكروا إذ أنتم قليل) * الآية هذه آية تتضمن تعديد نعم الله على المؤمنين و * (إذ) * ظرف لمعمول * (واذكروا) * تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون * (إذ) * ظرفا للذكر وإنما يعمل الذكر في * (إذ) * لو قدرناها مفعولة واختلف الناس في الحال المشار إليها بهذه الآية فقالت فرقة هي الأكثر هي حال مكة في وقت بداءة الإسلام والناس الذين يخاف تخطفهم كفار مكة والمأوى على هذا التأويل المدينة والأنصار والتأييد بالنصر وقعة بدر وما أنجز معها في وقتها و * (الطيبات) * الغنائم وسائر ما فتح الله عليهم به وقالت فرقة الحال المشار إليها هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة بدر والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوف من بعضهم والمأوى على هذا والتأييد بالنصر هو الإمداد بالملائكة والتغليب على العدو و * (الطيبات) * الغنيمة قال القاضي أبو محمد وهذان قولان يناسبان وقت نزول الآية لأنها نزلت عقب بدر وقال وهب بن منبه وقتادة الحال المشار إليها هي حال العرب قاطبة فإنها كانت أعرى الناس أجساما وأجوعهم بطونا وأقلهم حالا ونعما والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا التأويل فارس والروم والمأوى على هذا هو النبوءة والشريعة والتأييد بالنصر هو فتح البلاد وغلبة الروم و * (الطيبات) * هي نعم المآكل والمشارب والملابس قال القاضي أبو محمد وهذا التأويل يرده أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»