المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٣
قال القاضي أبو محمد وفي هذا نظر لأنه خبر لا يدخله نسخ قوله عز وجل سورة الأنفال 35 قرأ الجمهور وما كان صلاتهم بالرفع عند البيت إلا مكاء بالنصب وتصدية كذلك وروي عن عاصم أنه قرأ صلاتهم بالنصب إلا مكاء وتصدية بالرفع ورويت عن سليمان الأعمش بخلاف عنه فيما حكى أبو حاتم وذكر أبو علي عن الأعمش أنه قال في قراءة عاصم أفإن لحن عاصم تلحن أنت قال أبو الفتح وقد روي الحرف كذلك عن أبان بن تغلب قال قوم وهذه القراءة خطأ لأنه جعل الاسم نكرة والخبر معرفة قال أبو حاتم فإن قيل إن المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس معرفا ومنكرا واحد في التعريف قيل إن استعماله هكذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر كما قال حسان (كأن سبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء) الوافر ولا يقاس على ذلك فأما أبو الفتح فوجه هذه القراءة بما ذكرناه من تعريف اسم الجنس وبعد ذلك يرجح قراءة الناس قال أبو علي الفارسي وإنما ذهب من ذهب إلى هذه القراءة لما رأى الفعل أن الصلاة مؤنثة ورأى المسند إليها ليس فيه علامة تأنيث فأراد تعليقه بمذكر وهو المكاء وأخطأ في ذلك فإن العرب تعلق الفعل لا علامة فيه بالمؤنث ومنه قوله تعالى * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) * وقوله * (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم) * " وكيف كان عاقبة المفسدين " ونحو هذا مما أسند فيه الفعل دون علامة إلى المؤنث والمكاء على وزن الفعال الصفير قاله ابن عباس والجمهور فقد يكون بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم قال مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقد يشارك الأنف يقال مكا يمكو إذا صفر ومنه قول عنترة (وخليل غانية تركت مجدلا * تمكو فريصته كشدق الأعلم) الكامل ومنه قول الشاعر (فكأنما يمكو بأعصم عاقل *) يصف رجلا فر به حيوان ومنه قول الطرماح (فنحا لأولاها بطعنة محفظ * تمكو جوانبها من الإنهار) الكامل ومكت است الدابة إذا صفرت يقال ولا تمكو إلا است مكشوفة ومن هذا قيل للاست مكوة قال أبو علي فالهمزة في * (مكاء) * منقلبة عن واو قال القاضي أبو محمد ومن هذا قيل للطائر المكاء لأنه يمكو أي يصفر في تغريده ووزنه فعال بشد
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»