سورة الأنعام 148 يريد * (فإن كذبوك) * فيما أخبرت به أن الله حرمه عليهم وقالوا لم يحرم الله علينا شيئا وإنما حرمنا ما حرم إسرائيل على نفسه قال السدي وهذه كانت مقالتهم * (فقل) * يا محمد على جهة التعجب من حالهم والتعظيم لفريتهم في تكذيبهم لك مع علمهم بحقيقة ما قلت * (ربكم ذو رحمة واسعة) * إذ لا يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه وهذا كما تقول عند رؤية معصية أو أمر مبغي ما أحلم الله وأنت تريد لإمهاله على مثل ذلك في قوله * (ربكم ذو رحمة واسعة) * قوة وصفهم بغاية الاجترام وشدة الطغيان ثم أعقب هذه المقالة بوعيد في قوله * (ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) * فكأنه قال ولا تغتروا أيضا بسعة رحمته فإن له بأسا لا يرد عن المجرمين إما في الدنيا وإما في الآخرة وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمه بالقتال وأخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن المشركين سيحتجون لصواب ما هم عليه من شركهم وتدينهم بتحريم تلك الأشياء بإمهال الله تعالى وتقريره حالهم وأنه لو شاء غير ذلك لما تركهم على تلك الحال قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه وبين أن المشركين لا حجة لهم فيما ذكروه لأنا نحن نقول إن الله عز وجل لو شاء ما أشركوا ولكنه عز وجل شاء إشراكهم وأقدرهم على اكتساب الإشراك والمعاصي ومحبته والاشتغال به ثم علق العقاب والثواب على تلك الأشياء والاكتسابات وهو الذي يقتضيه ظواهر القرآن في قوله * (جزاء بما كانوا يكسبون) * ونحو ذلك ويلزمهم على احتجاجهم أن تكون كل طريقة وكل نحلة صوابا إذ كلها لو شاء الله لم تكن قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه وقال بعض المفسرين إنما هذه المقالة من المشركين على جهة الاستهزاء وهذا ضعيف وتعلقت المعتزلة بهذه الآية فقالت إن الله قد ذم لهم هذه المقالة وإنما ذمها لأن كفرهم ليس بمشيئة الله تعالى بل هو خلق لهم قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه وليس الأمر على ما قالوا وإنما ذم الله تعالى ظن المشركين أن ما شاء الله لا يقع عليه عقاب وأما أنه ذم قولهم لولا المشيئة لم نكفر فلا ثم قال * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * وفي الكلام حذف يدل عليه تناسق الكلام كأنه قال سيقول المشركين كذا وكذا وليس في ذلك حجة لهم ولا شيء يقتضي تكذيبك ولكن * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم وفي قوله * (حتى ذاقوا بأسنا) * وعيد بين وليس في الآية رد منصوص على قولهم لو شاء الله ما أشركنا وإنما ترك الرد عليهم مقدرا في الكلام لوضوحه وبيانه وقوله * (ولا آباؤنا) * معطوف على الضمير المرفوع في * (أشركنا) * والعطف على الضمير المرفوع لا يرده قياس بخلاف المظنون لكن سيبويه قد قبح العطف على الضمير المرفوع ووجه قبحه أنه لما بني الفعل صار
(٣٥٩)