المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٢٧
أخيرا وذلك أن جريجا كان يأتيها بطعامها فينميه الله ويكثره حتى إذا دخل عليها زكرياء عجب من كثرته فقال * (يا مريم أنى لك هذا) * والذي عليه الناس أقوى مما ذكره ابن إسحاق وقوله * (إني) * معناه كيف ومن أين وقولها * (هو من عند الله) * دليل على أنه ليس من جلب بشر وهكذا تلقى زكرياء المعنى وإلا فليس كان يقنع بهذا الجواب أنه قال الزجاج وهذا من الآية التي أنه قال تعالى * (وجعلناها وابنها آية للعالمين) * الأنبياء 91 وروي أنها لم تلقم ثديا قط وقولها * (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) * تقرير لكون ذلك الرزق من عند الله وذهب الطبري إلى أن ذلك ليس من قول مريم وأنه خبر من الله تعالى لمحمد عليه السلام والله تعالى لا تنتقص خزائنه فليس يحسب ما يخرج منها وقد يعبر بهذه العبارة عن المكثرين من الناس أنهم ينفقون بغير حساب وذلك مجاز وتشبيه والحقيقة هي فيما ينتفق من خزائن الله تعالى سورة آل عمران 38 - 39 هناك في كلام العرب إشارة إلى مكان فيه بعد أو زمان و * (هنالك) * باللام أبلغ في الدلالة على البعد ولا يعرب * (هنالك) * لأنه إشارة فأشبه الحروف التي جاءت لمعنى ومعنى هذه الآية أن في الوقت الذي رأى زكرياء رزق الله لمريم ومكانتها منه وفكر في أنها جاءت أمها بعد أن أسنت وأن الله تقبلها وجعلها من الصالحات تحرك أمله لطلب الولد وقوي رجاؤه وذلك منه على حال سن ووهن عظم واشتعال شيب وذلك لخوفه الموالي من ورائه حسبما يتفسر في سورة مريم إن شاء الله فدعا ربه أن يهب له ذرية طيبة والذرية اسم جنس يقع على واحد فصاعدا كما الولي يقع على اسم جنس كذلك وقال الطبري إنما أراد هنا بالذرية واحدا ودليل ذلك طلبه وليا ولم يطلب أولياء وأنث الطيبة حملا على لفظ الذرية كما أنه قال الشاعر (أبوك خليفة ولدته أخرى * وأنت خليفة ذاك الكمال) الوافر وكما أنه قال الآخر (فما تزدري من حية جبلية * سكات إذا ما عض ليس بأدردا) وفيما أنه قال الطبري تعقب وإنما الذرية والولي اسما جنس يقعان للواحد فما زاد وهكذا كان طلب زكرياء عليه السلام و * (طيبة) * معناه سليمة في الخلق والدين نقية و * (سميع) * تفي هذه الآية بناء اسم فاعل ثم أنه قال تعالى * (فنادته الملائكة) * وترك محذوف كثير دل ما ذكر عليه تقديره فقبل الله دعاءه ووهبه
(٤٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 ... » »»