المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤١٩
سورة آل عمران 28 هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو فيما يظهره المرء فأما أن يتخذه بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان فالنهي إنما هو عبارة عن إظهار اللطف للكفار والميل إليهم ولفظ الآية عام في جميع الأعصار واختلف الناس في سبب هذه الآية فقال ابن عباس كان كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر بن زبير وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا مباطنتهم فأبى أولئك النفر إلا موالاة اليهود فنزلت الآية في ذلك وقال قوم نزلت الآية في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابه إلى أهل مكة والآية عامة في جميع هذا ويدخل فيها فعل أبي لبابة في إشارته إلى حلقه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في استنزال بني قريظة وأما تعذيب بني المغيرة لعمار فنزل فيما أباح النبي صلى الله عليه وسلم لعمار * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * النحل 106 وقوله تعالى * (من دون) * عبارة عن كون الشيء الذي تضاف إليه * (دون) * غائبا متنحيا ليس من الأمر الأول " في شيء " وفي المثل وأمر دون عبيدة الوذم كأنه من غير أن ينتهي إلى الشيء الذي تضاف إليه ورتبها الزجاج المضادة للشرف من الشيء الدون وفيما قاله نظر قوله " فليس من الله في شيء " معناه في شيء مرضي على الكمال والصواب وهذا كما أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) وفي الكلام حذف مضاف تقديره فليس من التقرب إلى الله أو التزلف ونحو هذا وقوله " في شيء " هو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في قوله * (ليس من الله) * ثم أباح الله إظهار اتخاذهم بشرط الاتقاء فأما إبطانه فلا يصح أن يتصف به مؤمن في حال وقرأ جمهور الناس تقاة أصله وقية على وزن فعلة بضم الفاء وفتح العين أبدلوا من الواو تاء كتجاة وتكأة فصار تقية ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فجاء * (تقاة) * أنه قال أبو علي يجوز أن تكون * (تقاة) * مثل رماة حالا من * (تتقوا) * وهو جمع فاعل وإن كان لم يستعمل منه فاعل ويجوز أن يكون جمع تقى وجعل فعيل بمنزلة فاعل وقرأ ابن عباس والحسن وحميد بن قيس ويعقوب الحضرمي ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو رجاء والجحدري وأبو حيوة تقية بفتح التاء وشد الياء على وزن فعلية وكذلك روى المفضل عن عاصم وأمال الكسائي القاف في * (تقاة) * في الموضعين وأمال حمزة في هذه الآية ولم يمل في قوله * (حق تقاته) * آل عمران 102 وفتح سائر القراء القاف إلا أن نافعا كان يقرأها بين الفتح والكسر وذهب قتادة إلى أن معنى الآية * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * من جهة صلة الرحم أي ملامة فكأن الآية عنده مبيحة الإحسان إلى القرابة من الكفار وذهب جمهور المفسرين إلى أن معنى الآية إلا أن تخافوا منهم خوفا وهذا هو معنى التقية
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»