المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٢٩
الواو في هذه الآية عاطفة جملة كلام على جملة ما تقدم هذا قول الجمهور إن هذه الآية هي مخاطبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقتال في سبيل الله وهو الذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العليا حسب الحديث وقال ابن عباس والضحاك الأمر بالقتال هو للذين أحيوا من بني إسرائيل فالواو على هذا عاطفة على الأمر المتقدم المعنى وقال لهم قاتلوا أنه قال الطبري رحمه الله ولا وجه لقول من أنه قال إن الأمر بالقتال هو للذين أحيوا و * (سميع) * معناه للأقوال * (عليم) * بالنيات ثم أنه قال تعالى * (من ذا الذي يقرض الله) * الآية فدخل في ذلك المقاتل في سبيل الله فإن يقرض رجاء الثواب كما فعل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة ويروى أن هذه الآية لما نزلت أنه قال أبو الدحداح يا رسول الله أوإن الله يريد منا القرض أنه قال نعم يا أبا الدحداح أنه قال فإني قد أقرضت الله حائطي لحائط فيه ستمائة نخلة ثم جاء الحائط وفيه أم الدحداح فقال أخرجي فإني قد أقرضت ربي حائطي هذا أنه قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كم من عذق مذلل لأبي الدحداح في الجنة) قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه ويقال فيه ابن الدحداحة واستدعاء القرض في هذه الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه من شبه القرض بالعمل للثواب والله هو الغني الحميد لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء وقد ذهبت اليهود في مدة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التخليط على المؤمنين بظاهر الاستقراض وقالوا إلهكم محتاج يستقرض وهذا بين الفساد وقوله * (حسنا) * معناه تطيب فيه النية ويشبه أيضا أن تكون إشارة إلى كثرته وجودته واختلف القراء في تشديد العين وتخفيفها ورفع الفاء ونصبها وإسقاط الألف وإثباتها من قوله تعالى * (فيضاعفه) * فقرأ ابن كثير " فيضعفه " برفع الفاء من غير ألف وتشديد العين في جميع القرآن وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه نصب الفاء في جميع القرآن ووافقه عاصم على نصب الفاء إلا أنه أثبت الألف في * (فيضاعفه) * في جميع القرآن وكان أبو عمرو لا يسقط الألف من ذلك كله إلا من سورة الأحزاب قوله تعالى " يضعف لها العذاب " الأحزاب 30 فإنه بغير ألف كان يقرأه وقرأ حمزة والكسائي ونافع ذلك كله بالألف ورفع الفاء فالرفع في الفاء يتخرج على وجهين أحدهما العطف على ما في الصلة وهو يقرض والآخر أن يستأنف الفعل ويقطعه أنه قال أبو علي والرفع في هذا الفعل أحسن قال القاضي أبو محمد لأن النصب إنما هو بالفاء في جواب الاستفهام وذلك إنما يترتب إذا كان الاستفهام عن نفس الفعل الأول ثم يجيء الثاني مخالفا له تقول أتقرضني فأشكرك وها هنا إنما الاستفهام عن الذي يقرض لا عن الإقراض ولكن تحمل قراءة ابن عامر وعاصم في النصب على المعنى لأنه لم يستفهم عن فاعل الإقراض إلا من أجل الإقراض فكأن الكلام أيقرض أحد الله فيضاعفه له ونظير هذا في الحمل على المعنى قراءة من قرأ " من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم " الأعراف
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»