المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٠٦
إن قذفت فقال ابن عباس تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق أي إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه وهذا قول حسن بارع وقال ابن إسحاق الدرجة الإنفاق وأنه قوام عليها وقال ابن زيد الدرجة ملك العصمة وأن الطلاق بيده وقال حميد الدرجة اللحية وقال القاضي أبو محمد وهذا إن صح عنه ضعيف لا يقتضيه لفظ الآية ولا معناها وإذا تأملت هذه الوجوه التي ذكر المفسرون فيجيء من مجموعها درجة تقتضي التفضيل و * (عزيز) * لا يعجزه أحد و * (حكيم) * فيما ينفذه من الأحكام والأمور سورة البقرة 229 قال عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم نزلت هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يطلقون ويرتجعون إلى غير غاية فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا أؤويك ولا أدعك تحلين قالت وكيف أنه قال أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك فشكت ذلك فنزلت الآية وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وإما أمسكها محسنا عشرتها قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه والآية تتضمن هذين المعنيين والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتزام حقوق الزوجية والتسريح يحتمل لفظه معنيين أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها وهذا قول السدي والضحاك والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما ويقوى عندي هذا القول من ثلاثة وجوه أولها أنه روي أن رجلا أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هذا ذكر الطلقتين فأين الثالثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله * (أو تسريح بإحسان) * والوجه الثاني أن التسريح من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه قد قرىء " وإن عزموا السراح " البقرة 227 والوجه الثالث أن فعل تفعيلا بهذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلا مكررا على الطلقة الثانية وليس في الترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل و * (إمساك) * مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء تقديره فالواجب إمساك وقوله * (بإحسان) * معناه أن لا يظلمها شيئا من حقها ولا يتعدى في قول وقوله تعالى * (ولا يحل لكم أن تأخذوا) * الآية خطاب للأزواج نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيئا على وجه المضارة وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم لأن العرف من الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج عن يده هذا وكدهم في الأغلب فلذلك خص
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»