المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٢٥
ثم أمر تعالى عباده باستباق الخيرات والبدار إلى سبيل النجاة ثم وعظهم بذكر الحشر موعظة تتضمن وعيدا وتحذيرا وقوله * (يأت بكم الله جميعا) * يعني به البعث من القبور ثم اتصف الله تعالى بالقدرة على كل شيء مقدور عليه لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإتيان بهم وقوله تعالى * (ومن حيث خرجت) * معناه حيث كنت وأنى توجهت من مشارق الأرض ومغاربها ثم تكررت هذه الآية تأكيدا من الله تعالى لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ليرى الناس التهمم به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه سورة البقرة 150 - 151 قوله تعالى * (فولوا وجوهكم شطره) * هو فرض استقبال القبلة على المصلين وفرض المصلي ما دام يرى الكعبة أن يصادفها باستقباله فإذا غابت عنه ففرضه الاجتهاد في مصادفتها فإن اجتهد ثم كشف الغيب أنه أخطأ فلا شيء عليه عند كثير من العلماء ورأى مالك رحمه الله أن يعيد في الوقت إحرازا لفضيلة القبلة وقوله تعالى * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * الآية قرأ نافع وحده بتسهيل الهمزة وقرأ الباقون * (لئلا) * بالهمز والمعنى عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة في ذلك * (لئلا) * وقوله * (للناس) * عموم في اليهود والعرب وغيرهم وقيل المراد بالناس اليهود ثم استثنى كفار العرب قال القاضي أبو محمد وقوله * (منهم) * يرد هذا التأويل وقالت فرقة * (إلا الذين) * استثناء متصل وهذا مع عموم لفظة الناس والمعنى أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا يعني اليهود وغيرهم من كل من تكلم في النازلة في قولهم * (ما ولاهم) * استهزاء وفي قولهم تحير محمد في دينه وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو من منافق وسماها تعالى حجة وحكم بفسادها حين كانت من ظلمة وقالت طائفة * (إلا الذين) * استثناء منقطع وهذا مع كون الناس اليهود فقط وقد ذكرنا ضعف هذا القول والمعنى لكن الذين ظلموا يعني كفار قريش في قولهم رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح لكلام فيكون * (الذين) * ابتداء أو على معنى الإغراء بهم فيكون * (الذين) * نصبا بفعل مقدر
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»