المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢١١
قال القاضي أبو محمد وهذا ضعيف وتقدير الكلام يقولان ربنا تقبل وهي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود كذلك بثبوت يقولان وقالت فرقة التقدير وإسماعيل يقول ربنا وحذف لدلالة الظاهر عليه وكل هذا يدل على أن إسماعيل لم يكن طفلا في ذلك الوقت وخصا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما أي * (السميع) * لدعائنا و * (العليم) * بنياتنا وقولهما * (اجعلنا) * أرادا بمعنى صيرنا تتعدى إلى مفعولين و * (مسلمين) * هو المفعول الثاني وكذلك كانا فإنما أراد التثبيت والدوام والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا وقرأ ابن عباس وعوف مسلمين على الجمع و " من " في قوله * (ومن ذريتنا) * للتبعيض وخص من الذرية بعضا لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين والأمة الجماعة وحكى الطبري أنه أراد بذلك العرب خاصة قال القاضي أبو محمد رحمه الله وهو ضعيف لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي أرنا بكسر الراء وقرأ ابن كثير أرنا بإسكان الراء وقرأ أبو عمرو بين الإسكان والكسر اختلاسا والأصل أرئينا حذفت الياء للجزم ونقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت تخفيفا واستثقل بعد من سكن الراء الكسرة كما استثقلت في فخذ وهنا من الإجحاف ما ليس في فخذ وقالت طائفة * (أرنا) * من رؤية البصر وقالت طائفة من رؤية القلب وهو الأصح ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفعولين وينفصل عنه بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب كغير المعدى قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر (أريني جوادا مات هزلا لأنني * أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا) الطويل وقال قتادة المناسك معالم الحج وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أنه قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ودعا بهذه الدعوة بعث الله إليه جبريل فحج به وقال ابن جريج المناسك المذابح أي مواضع الذبح وقال فريق من العلماء المناسك العبادات كلها ومنه الناسك أي العابد وفي قراءة ابن مسعود وأرهم مناسكهم كأنه يريد الذرية والتوبة الرجوع وعرفه شرعا من الشر إلى الخير وتوبة الله على العبد رجوعه به وهدايته له واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون فقالت طائفة طلبا التثبيت والدوام وقيل أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول برني فلان وأكرمني وأنت تريد في ولدك وذريتك وقيل وهو الأحسن عندي إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة وقال الطبري إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معان يجب أن تكون أحسن مما هي وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة واختلف في غير ذلك من الصغائر والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»