المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٨٠
سورة البقرة 92 - 95 البينات التوراة والعصا وفرق البحر وغير ذلك من آيات موسى عليه السلام وقوله تعالى * (ثم اتخذتم) * تدل ثم على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات وذلك أعظم في دينهم وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل والضمير في قوله * (من بعده) * عائد على موسى عليه السلام أي من بعده حين غاب عنكم في المناجاة ويحتمل أن يعود الضمير في * (بعده) * على المجيء وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور وقوله تعالى * (خذوا ما آتيناكم بقوة) * يعني التوراة والشرع و * (بقوة) * أي بعزم ونشاط وجد * (واسمعوا) * معناه هنا وأطيعوا وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط وقالت طائفة من المفسرين إنهم قالوا * (سمعنا وعصينا) * ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية وقالت طائفة ذلك مجاز ولم ينطقوا ب * (سمعنا وعصينا) * ولكن فعلهم اقتضاه كما أنه قال الشاعر (امتلأ الحوض وقال قطني *) الرجز وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم * (نؤمن بما أنزل علينا) * البقرة 91 وقوله تعالى * (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) * التقدير حب العجل والمعنى جعلت قلوبهم تشربه وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم وقال قوم إن معنى قوله * (وأشربوا في قلوبهم العجل) * شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء وقيل لبني إسرائيل اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه قال القاضي أبو محمد رحمه الله وهذا قول يرده قوله تعالى * (في قلوبهم) * وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن وقوله تعالى * (بكفرهم) * يحتمل أن تكون باء السبب ويحتمل أن تكون بمعنى مع وقوله تعالى * (قل بئسما) * الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم * (نؤمن بما أنزل علينا) * البقرة 91
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»