أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٢٦١
سبحانه (* (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق) *) المؤمنون 115, 116 يعني عن ذلك وعن أمثاله مما هو منزه عنه مقدس منه وبين سبحانه النجدين وخلق للقلب المعرفة والحواس سبلا لها والعقل والشهوة يتنازعان للعلائق والملك يعضد العقل والشيطان يحمل الشهوة والتوفيق قرين الملك والخذلان قرين الشيطان والقدر من فوق ذلك يحمل العبد إلى ما كتب له من ذلك وقد فرق الخلق فريقين في أصل المقدار وكتبهم بالقلم الأول في اللوح المحفوظ فريقين فريق للجنة وفريق للنار ومنازل الكل موضوعة في الجنة والنار فإن سبق التوفيق حصل العبد من أهل الجنة وكان في الجنة وإن سبق الخذلان على العبد الآخر فيكون من أهل النار فيحصل الموفق على منزل المخذول ويحصل للمخذول منزل الموفق في النار فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن والأمثال موضوعة للبيان في حكم القرآن واللغة وذلك كله مجموع من نشر الآثار وقد جاءت متفرقة في هذا الكتاب وغيره المسألة الثالثة استدل علماؤنا بقوله تعالى (* (ذلك يوم التغابن) *) على أنه لا يجوز الغبن في معاملة الدنيا لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة فقال (ذلك يوم التغابن) وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث واختاره البغداديون واحتجوا عليه بوجوه منها قوله لحبان بن منقذ إذا بايعت فقل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدنيا إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد فمضى في البيوع إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا لأنه لا يخلو منه حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه فوجب الرد به والفرق بين
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»