الآدميين عرض يخلقه الله فيهم وليس يفتقر العرض إلا لوجود جوهر أو جسم يقوم به خاصة وما زاد على ذلك من الشروط فإنما هي عادة وللباري تعالى نقض العادة وخرقها بما شاء من قدرته لمن شاء من مخلوقاته وبريته ولهذا حن الجذع لرسول الله وسبح الحصى في كفه وكف أصحابه وكان بمكة حجر يسلم عليه قبل أن يبعث وكانت الصحابة تسمع تسبيح الطعام ببركته ولم يكن لذلك كله هيئة ولا جدت له رطوبة ولا بلة وعلى إنكار هذه المعجزات وإبطال هذه الآيات حامت بما ابتدعته من المقالات فيعلم كل أحد أن دلالة المخلوقات على الخالق ظاهرة وتذكرته للمؤمنين من الآدميين والمسبحين من المخلوقين بينة وهذا وإن سمي تسبيحا فذلك شائع لغة كما كانت العرب تعبر عن لسان الحال بلسان المقال فتقول يشكو إلي جملي طول السرى وكما قالت قف بالديار فقل يا ديار من غرس أشجارك وجنى ثمارك وأجرى أنهارك فإن لم تجبك جؤارا أجابتك اعتبارا وكما قال شاعرهم عن شجرة (رب ركب قد أناخوا حولنا * يشربون الخمر بالماء الزلال) (سكت الدهر زمانا عنهم * وكذاك الدهر حالا بعد حال) وذلك ما لا يحصى كثرة وهو عندهم من البديع في الفصاحة والغاية في البلاغة وإن قلنا إن تسبيح البرق لمعانه والرعد هديره والماء خريره والباب صريره فنوع من الدلالة وجه من التسمية بالمجاز ظاهر وإن قلنا إن كل ذي روح يسبح بنفسه وصورته فمثله في الدلالة وفي المجاز في التسمية وإن قلنا إن الطعام يسبح التحق بالجماد في المعنى والعبارة عنه كما تقدم وإن قلنا إن لكل شيء تسبيحا ربنا به أعلم لا نعلمه نحن أخذا بظاهر القرآن لم نكذب ولم نغلط ولا ركبنا محالا في العقل ونقول إنها تسبح دلالة وتذكرة وهيئة ومقالة ونحن لا نفقه ذلك كله ولا نعلم إنما يعلمه من خلقه كما قال ألا يعلم من خلق وقد مهدنا القول في ذلك في شرح الحديث عند قوله شكت النار إلى
(٢٠٥)