أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١١٤
وقد روي عن النبي أنه قال ' حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ' فكان يتشاغل بالنساء جبلة الآدمية وتشوف الخلفة الإنسانية ويحافظ على الطيب منفعة خاصية وعامية ولا يقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى ويرى أن مناجاة المولى أجدر من ذلك وأولى وقد بينا تحقيق ذلك في شرح الحديث ولم يكن في دين محمد الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية؛ كما كان في دين عيسى؛ وإنما شرع الله له ولنا بحكمته حنيفية سمحة خالصة عن الحرج خفيفة عن الإصر نأخذ من الآدمية وشهواتها بحظ وافر ونرجع إلى الله بقلب سليم إن شغل بدنه باللذات عكف قلبه على المعارف ورأى اليوم علماء القراء والمخلصون من الفضلاء أن الانكفاف عن اللذات والخلوص لرب السماوات اليوم أولى لما غلب على الدنيا من الحرام واضطر إليه العبد في المعاش من مخالطة من لا تجوز مخالطته ومصانعة من تحرم مصانعته وحماية الدنيا بالدين وصيانة المال بتبدل الطاعة بدلا عنه؛ فكانت العزلة أفضل والفرار عن الناس أصوب للعبد وأعدل حسبما تقدم به الوعد الذي لا خلف له من الصادق؛ ' يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ' فإن قيل ففي هذا الحديث الذي ذكرتم - وهي المسألة السادسة أنه قال في الفاتحة ' هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ' فتكون الفاتحة هي القرآن العظيم قلنا المراد بالمثاني القرآن كله فالمعنى ولقد آتيناك سبعا من المثاني مما ثنى بعض آية بعضا ويكون المثاني جمع مثناة وتكون آي القرآن موصوفة بذلك لأن بعضها تلا بعضا بفصول بينها فيعرف انقضاء الآية وابتداء الآية التي بعدها وذلك قوله
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»