استعماله لضرورة صار معدوما حكما فالمعنى الذي يجمع نشر الكلام فلم تقدروا على استعمال المال وهذا يعم المرض والصحة إذا خاف من أخذ الماء لصا أو سبعا ويجمع الحضر والسفر وهذا هو العلم الصريح والفقه الصحيح والأصوب بالتصحيح ألا ترى أنه لو وجده بزائد على قيمته جعله معدوما حكما وقيل له تيمم ويتبين أن المراد الوجود الحكمي ليس الوجود الحسي وعلى هذا قلنا إن من وجد الماء في أثناء الصلاة إنه يتمادى ولا يقطع الصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يقول يبطل تيممه لأن الوجود لعينه لا يبطل التيمم كما لو رأى الماء وعليه لص أو سبع أو رآه بأكثر من قيمته لم يبطل تيممه وإنما يبطل التيمم بوجود مقرون بالقدرة وإذا كان في الصلاة فلا قدرة له إلا بعد إبطالها ولا تبطل إلا بعد اقتران القدرة بالماء فلا بطلان لها وهي مسألة دورية وقد حققناها في كتاب التلخيص فلتنظر فيه وعلى هذا تنبني مسألة هي إذا نسي الماء في رحله وقد اجتهد في طلبه فإن الناسي لا يعد واجدا ولا يخاطب في حال نسيانه فلذلك قلنا في أصح الأقوال إنه يجزئه المسألة الثامنة والعشرون قوله تعالى (* (ماء) *)) قال أبو حنيفة هذا نفي في نكرة وهو يعم لغة فيكون مفيدا جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير لانطلاق اسم الماء عليه قلنا استنوق الجمل الآن يستدل أصحاب أبي حنفية باللغات ويقولون على ألسنة العرب وهم ينبذونها في أكثر المسائل بالعراء واعلموا أن النفي في النكرة يعم كما قلتم ولكن في الجنس فهو عام في كل ما كان من سماء أو بئر أو عين أو نهر أو بحر عذب أو ملح فأم غير الجنس فهو المتغير فلا يدخل فيه كما لم يدخل فيه ماء الباقلاء وقد مهدنا ذلك في الكلام على منع الوضوء بالماء المتغير بالزعفران في كتاب التلخيص ومن هاهنا وهم الشافعي في قوله إنه إذا وجد من الماء ما لا يكفيه لأعضاء الوضوء كلها أنه يستعمله فيما كفاه ويتيمم لباقيه فخالف مقتضى اللغة وأصول الشريعة أما مقتضى اللغة فإن الله سبحانه قال (* (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) *) [المائدة 6] وأراد في جميع البدن ثم قال (* (فلم تجدوا ماء فتيمموا) *) فاقتضى ذلك الماء الذي يقوم له بحق ما تقدم الأمر فيه والتكليف له فإن آخر الكلام مرتبط بأوله وأما مخالفته للأصول فليس في الشريعة موضع يجمع فيه بين الأصل والبدل وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف وبهذا تعلق الأئمة في الوضوء بماء البحر وهي المسألة التاسعة والعشرون قال ابن عمر رضي الله عنه إنه لا يجوز الوضوء به لأنه ماء النار أو لأنه طين جهنم وكأنهم يشيرون إلى أنه ماء عذاب فلا يكون ماء قربة وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلوا بديار ثمود ألا يشرب ولا يتوضأ من آبارهم إلا من بئر الناقة وأوقفهم عليه وهي إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم قلنا قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته
(٥٦٧)