أحكام القرآن - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٢١
وقد فاوضت فيها علماء وباحثت رفعاء فكل منهم أعطى ما عنده حتى انتظم فيها سلك المعرفة بدرره وجوهرته العليا إن من زعم أن هذه الآية مجملة فلم يفهم مقاطع الشريعة فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قوم هو منهم بلغتهم وأنزل عليهم كتابه تيسيرا منه بلسانه ولسانهم وقد كانت التجارة والبيع عندهم من المعاني المعلومة فأنزل عليهم مبينا لهم ما يلزمهم فيهما ويعقدونهما عليه فقال تعالى (* (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *) [النساء 29] والباطل كما بيناه في كتب الأصول هو الذي لا يفيد وقع التعبير به عن تناول المال بغير عوض في صورة العوض والتجارة هي مقابلة الأموال بعضها ببعض وهو البيع وأنواعه في متعلقاته بالمال كالأعيان المملوكة أو ما في معنى المال كالمنافع وهي ثلاثة أنواع عين بعين وهو بيع النقد أو بدين مؤجل وهو السلم أو حال وهو يكون في التمر أو على رسم الاستصناع أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة والربا في اللغة هو الزيادة والمراد به في الآية كل زيادة لم يقابلها عوض فإن الزيادة ليست بحرام لعينها بدليل جواز العقد عليها على وجهه ولو كانت حراما ما صح أن يقابلها عوض ولا يرد عليها عقد كالخمر والميتة وغيرها وتبين أن معنى الآية وأحل الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحة القصد والعمل وحرم منه ما وقع على وجه الباطل وقد كانت الجاهلية تفعله كما تقدم فتزيد زيادة لم يقابلها عوض وكانت تقول إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا مثل أصل الثمن في أول العقد فرد الله تعالى عليهم قولهم وحرم ما اعتقدوه حلالا عليهم وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة تخفيفا يحققه أن الزيادة إنما تظهر بعد تقدير العوضين فيه وذلك على قسمين
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»