البقرة (73)) يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها و أن يقال و إذا قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ولكنه تعالى إنما قص قصص بنى اسرئيل تعديدا لما وجد منهم من الجنايات وتقريعا لهم عليها وهاتان القصتان وإن كانتا متصلتين فتستقل كل واحدة منهما بنوع من التقريع فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة و إنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب المراد في تثنية التقريع ولقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله اضربوه ببعضها ليعلم أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وقصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة وقيل هذه القصة تشير إلى أن من أراد احياء قلبه بالمشاهدات فليمت نفسه بأنواع المجاهدات ومعنى * (ثم قست قلوبكم) * استبعاد القسوة * (من بعد) * ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها وصفة القلوب بالقسوة مثل لنبوها عن الاعبتار والاتعاظ من بعد * (ذلك) * إشارة إلى احياء القتيل أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة * (فهي كالحجارة) * فهي في قسوتها مثل الحجارة * (أو أشد قسوة) * منها وأشد معطوف على الكاف تقديره أو مثل أشد قسوة فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه أو هي في أنفسها أشد قسوة يعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلا أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة و إنما لم يقل أقسى لكونه أبين وأدل على فرط القسوة وترك ضمير المفضل عليه لعدم الالباس كقولك زيد كريم وعمرو أكرم * (وإن من الحجارة) * بيان لزيادة قسوة قلوبهم على الحجارة * (لما يتفجر منه الأنهار) * ما بمعنى الذي في موضع النصب وهو اسم أن واللام للتوكيد والتفجر التفتح بالسعة والكثرة * (وإن منها لما يشقق) * أصله يتشقق وبه قرأ الأعمش فقلبت التاء شيئا وأدغمت * (فيخرج منه الماء) * يعنى أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير ومنها ما ينشقى انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضا وقلوبهم لا تندى * (وإن منها لما يهبط) * يتردى من أعلى الجبل * (من خشية الله) * قيل هو مجاز عن انقيادها لأمر الله و أنها لا تمتنع على ما يريد فيها وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به وقيل المراد به حقيقة الخشية على معنى أنه يخلق فيها الحياة والتمييز وليس شرط خلق الحياة والتمييز في الجسم أن يكون على بنية مخصوصة عند أهل السنة وعلى هذا قوله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل الآية يعنى وقلوبهم
(٥٢)