تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٦٤
النساء (171 _ 172)) ثلاثة آلهة و أن المسيح ولد الله من مريم ألا ترى إلى قوله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وقالت النصارى المسيح ابن الله * (إنما الله) * مبتدأ * (إله) * خبره * (واحد) * توكيد * (سبحانه أن يكون له ولد) * أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد * (له ما في السماوات وما في الأرض) * بيان لتنزهه مما نسب إليه بمعنى أن كل ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه إذ النبوة والملك لا يجتمعان على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو يتعالى عن أن يكون جسما * (وكفى بالله وكيلا) * حافظا ومدبرا لهما ولما فيهما ومن عجز عن كفاية أمر يحتاج إلى ولد يعينه ولما قال وفد نجران لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تعيب صاحبنا عيسى قال و أي شيء أقول قالوا أتقول إنه عبد الله ورسوله قال أنه ليس بعار أن يكون عبد الله قالوا بلى نزل قوله تعالى * (لن يستنكف المسيح) * أي لن يأنف * (أن يكون عبدا لله) * هو رد عل النصارى * (ولا الملائكة) * رد على من يعبدهم من العرب وهو عطف على المسيح * (المقربون) * أي الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم والمعنى ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله فحذف ذلك لدلالة عبد الله عليه إيجازا وتشبثت المعتزلة والقائلون بتفضيل الملك على البشر بهذه الآية وقالوا الارتقاء إنما يكون إلى الأعلى يقال فلان لا يستنكف عن خدمتي ولا أبوه ولو قال ولا عبده لم يسحن وكان معنى قوله ولا الملائكة المقربون ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا ويدل عليه تخصيص المقربين والجواب أنا نسلم تفضبل الثاني على الأول لكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه لأن الآية تدل على أن الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى ونحن نسلم بأن جميع الملائكة المقربين أفضل من رسول واحد من البشر إلى هذا ذهب بعض أهل السنة و لأن المراد أن الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدر البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجى رأسا لا يستنكفون عن عبادته فكيف بمن يتولد من آخر ولا يقدر على ما يقدرون ولا يعلم ما يعلمون وهذا لأن شدة البطش وسعة العلوم وغرابة التنكون هي التي تورث الحمقاء أمثال النصارى وهم الترفع عن العبودية حيث رأوا المسيح ولد من غير أب وهو يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وينبئ بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم فبرؤه من العبودية فقيل لهم هذه الأوصاف في الملائكة أتم منها في السيح ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية فكيف المسيح والحاصل أن خواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم كجبريل ومكائيل وعزرائيل ونحوهم وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء أنهم قهروا نوازع الهوى في ذات
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»